غادرت 24 تلميذة مقاعد الدراسة في منطقة إيغرم بإقليم تارودانت جنوبي المغرب، بقرار من أولياء أمورهن الذين تراجعوا عن هذه الخطوة بعد تدخل السلطات.
وتم تسليم مراسلات من قبل ممثل وزارة الداخلية بالمنطقة لعائلات الفتيات، من أجل التوقيع على موافقة كتابية تسمح لبناتهم باستكمال مشوارهن التعليمي في المرحلة الثانوية.
وتدخل هذه العملية في إطار تنفيذ البرنامج الذي تم التوقيع عليه بين مؤسسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية خلال شهر مارس الماضي، من أجل الحد من التسرب الدراسي واحتواء ظاهرة زواج القاصرات في المغرب.
ويتوقع الخبراء التربويون أن تلعب المقاربة القانونية إلى جانب البرامج الحكومية التي تعالج الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، دورا أساسيا في الحد من ظاهرة التسرب المدرسي التي تسجل أرقاما “مقلقة” سنة بعد أخرى.
ولا تشكل الفتيات الأربعة والعشرين في إيغرم، سوى عينة صغيرة لآلاف الفتيات والفتيان المنقطعين عن الدراسة لأسباب مختلفة، حيث قدر عددهم بما يزيد عن 300 ألف تلميذ خلال السنة الماضية، حسب أرقام رسمية صادرة عن وزارة التعليم المغربية.
ويكفل القانون المتعلق بمنظومة التربية والبحث العلمي حق التعليم لجميع الأطفال المغاربة البالغين من العمر 4 سنوات، ويلتزم الآباء وأولياء الأمور بعدم إرغامهم على مغادرة المدرسة دون سن السادسة عشر.
القضاء في مواجهة الآباء والأولياء
وتحرص المؤسسات التعليمية وفعاليات المجتمع المدني في المغرب على إعلام السلطات المحلية بحالات انقطاع التلاميذ عن الدراسة وإطلاعهم على هوياتهم، من أجل التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق الآباء الذين يجبرون أبناءهم على مغادرة مقاعد الدراسة، ويسهمون في استفحال ظاهرة التسرب المدرسي.
واعتبر محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، خلال توقيع اتفاقية مع وزارة التعليم للحد من التسرب المدرسي، أن “هذه الظاهرة تشكل عائقا أمام تحقيق النظام التعليمي لأهدافه الكبرى، كما تؤدي إلى انتشار البطالة والانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق العمل وارتفاع نسب زواج القاصرين، إلى جانب ما تشكله من هدر للموارد المالية للدولة”.
أما عبد الصمد الزياني رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التسرب المدرسي، فشدد على “أهمية تدخل النيابة العامة في الوقوف في وجه الآباء الذين يحرمون أبناءهم من حقهم الطبيعي في التعليم”، مشيرا إلى أن “ظاهرة التسرب المدرسي تعد من أكبر التحديات التي تواجهها منظومة التعليم في المغرب”.
وانطلاقا من تجربته الشخصية، أثنى الزياني في حديث مع على الجهود التي تقوم بها السلطات المحلية من أجل إقناع الآباء وأولياء الأمور بالعدول عن حرمان الفتيات من استكمال الدراسة.
أسباب متداخلة
ويرى المتابعون للشأن التربوي أن هناك أسبابا متعددة ومتداخلة وراء إقدام بعض الأسر، خاصة في القرى، على منع بناتهم من إتمام دراستهن بعد اجتيازهن المستوى الأساسي، على رأسها الأوضاع الاقتصادية والزواج المبكر وعمل الأطفال في سن مبكرة.
وإلى جانب كل هذه الأسباب، يعتقد الزياني أن “الثقافة المحلية المحافظة والأعراف والتقاليد تشكل المحدد الأساسي في رسم المسار الدراسي للفتاة، وهو ما يحول دون استكمال التلميذة لتعليمها في العديد من الحالات خاصة عند مرحلة الإعدادي والثانوي”.
كما يربط الزياني مستقبل الأبناء الدراسي في العديد من الحالات بالوضع الاجتماعي للأسر، مؤكدا على أن “الهشاشة والعوز يعتبران من أبرز العوامل المؤثرة في تحديد مصير الأبناء، مما يستوجب وفقا له تدخل فعاليات المجتمع من أجل تذليل الصعوبات التي يمكنها أن تعترض سبيلهم في إتمام الدراسة”.
وأضاف الزياني أن “توفير المبيت والطعام للتلميذات البعيدات عن مقر مؤسساتهن التعليمية يساهم بشكل كبير في احتواء العديد من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بانقطاع الفتيات عن الدراسة”.
ودعا الخبير التربوي إلى “تضافر جهود جميع العاملين في قطاع التعليم بالمملكة، من أجل استئصال ظاهرة التسرب المدرسي وتمكين جميع الأطفال من حقهم في التعليم في المستقبل القريب”.
محولات لوقف النزيف
ومنذ سنوات يسعى المغرب لوقف نزيف التسرب المدرسي عبر مجموعة من البرامج، التي توفر النقل المجاني والأكل والمبيت للتلاميذ الذين يقطنون بعيدا عن مقر دراستهم، أو عبر تقديم الدعم المادي للأسر واستقبالهم في سكن الطالبات والطالب، مع مبادرة توزيع مليون حقيبة تحوي لوازم مدرسية، إضافة إلى إنشاء مدرسة الفرصة الثانية التي تقدم دعما مدرسيا وتكوينا في الحرف للتلاميذ الذين تسربوا من التعليم.
ويقول رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ نور الدين عكوري، إن منحنى التسرب المدرسي ارتفع خلال السنة الماضية لأسباب مرتبطة بانتشار فيروس كورونا في البلاد، وما فرضه ذلك من انتقال إلى التعليم عن بعد، الذي كان من الصعب تطبيقه والانضباط مع متطلباته من قبل بعض الأسر.
وفي حديث مع، أشار عكوري إلى أن حكومة المملكة ابتكرت مجموعة من البرامج الهادفة إلى ضمان التحاق التلاميذ بالمدرسة، وعدم مغادرتهم لأسوارها بعد المرحلة الأساسية تحت أي مبرر.
وفي هذا الإطار أكد عكوري، على “وضع الدولة عددا من البرامج لمواجهة التسرب المدرسي، من ضمنها برنامج تيسير الذي يضع من بين أهدافه الرئيسية تقديم الدعم المادي للأسر الفقيرة والمحتاجة من أجل تجاوز الكلفة المباشرة وغير المباشرة لتدريس الأبناء، مع تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم وتعميمه بالوسط القروي على المدى المتوسط”.
وشدد العكوري على أن “مسؤولية الدولة تنحصر في العمل على توفير جميع الإمكانات والمتطلبات الضرورية من أجل ضمان التحاق الأطفال بمقاعد الدراسة خاصة في المناطق القروية، فيما تتجلى مسؤولية الآباء في ضمان تعليم أبنائهم حتى سن 16 عاما على الأقل، أو تعرضهم للملاحقة القانونية في حال الامتناع”.