بعد إشارات ومماطلات لسنوات، أعلن القضاء الإيراني صراحة أن دفع رجل الأعمال والملياردير الإيراني باباك زنجاني لمبلغ مالي قدره 3.5 مليار دولار، قد ينجيه من حبل المشنقة، حسب تصريحات رئيس المحكمة الإيرانية العليا مرتضوي مقدم.
وبرر مرتضوي مقدم هذه المساومة، قائلا: “بعض الأمور يجب أن تؤخذ في الاعتبار لصالح البلاد”، مما دفع المعلقين الإيرانيين للتساؤل بشأن ما إذا ما كان باباك زنجاني مدان فعلا بعمل جنائي، أم مجرد رهينة مختطفة من قِبل القضاء الإيراني، الذي يطالب بفدية لإطلاق سراحه.
وتقدر تلك “الفدية” بمبلغ 3.5 مليار دولار، هي مجموع الأموال التي يعتبر القضاء الإيراني أنه تم اختلاسها من قبل زنجاني، بالإضافة إلى الأرباح المتوجبة نتيجة تأخر الدفع طوال سنوات.
وزنجاني هو واحد من أغنى وأشهر رجال الأعمال الإيرانيين، برز خلال الولاية الثانية للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد (2009-2013).
فحينما كانت العقوبات الدولية تلاحق النظام الإيراني، بسبب الملف النووي الإيراني، بالذات في القطاع النفطي، نشط زنجاني وخلق شبكة معقدة من الشركات التجارية والمؤسسات المالية، الموزعة على مختلف أنحاء العالم، لبيع النفطي الإيراني بعيدا عن سلسلة العقوبات، وبالشراكة والتوافق مع السلطات الإيرانية.
المعطيات المالية كانت تقول إن شبكات زنجاني المالية نجحت في خلق إيرادات مالية للحكومة الإيرانية خلال السنوات الأربع من الولاية الثانية لحكم أحمدي نجاد، قُدرت بأكثر من 50 مليار دولار. في المقابل، فإنه جمع ثروة ذاتية تقدرها التصنيفات المالية العالمية بحوالي 10 مليارات دولار.
لكن الأوساط الإعلامية المقربة من زنجاني تقول إن الجانب الأكبر من ثروته الشخصية جاء من مجموعة ضخمة من الاستثمارات التي تنفذها شركات مجموعته المالية في مجالات التجارة العامة والصناعات البتروكيماوية والطيران والسياحة والإلكترونيات، وإن مكاسبه من تجارة النفط الإيرانية كانت “عادية وقريبة مما يحققه الوسطاء النفطيون بشكل عادي في مختلف المعاملات والدول”.
السلطات الإيرانية أصدرت أمرا باعتقال زنجاني خلال عام 2013، بعد أسابيع قليلة من انتهاء ولاية أحمدي نجاد، واعتقلته خلال شهر ديسمبر من ذلك العام.
وبعد محاكمة استمرت 3 سنوات تقريبا، حكمت عليه “المحكمة الثورية” في مدينة طهران بالإعدام شنقا، بعد أن أدانته بتهمة “الاختلاس ونشر الفساد في الأرض”.
الناشط الحقوقي الإيراني بيروز شمراني، شرح في حديث الدوافع التي حرضت النظام الإيراني على اعتقال زنجاني والحكم عليه.
ولفت إلى أن الحكم “جاء بالرغم من الشراكة المحكمة التي كانت بين زنجاني وأركان النظام في إيران، إلا أن صراع المحاور ضمن النظام الإيراني، دفعت الرئاسة في عهد حسن روحاني لأن تقدم زنجاني كقُربان لما كانت تعتبره مرحلتها الإصلاحية، خصوصا وأن زنجاني كان قد تعرض لعقوبات من مجلس الاتحاد الأوربي في أواخر 2012، ولعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية في أوائل عام 2013”.
وتابع: “لذلك فإن اعتقال زنجاني كان بمثابة جردة حساب من قبل عهد روحاني مع سابقه نجاد، وبنهاية فترة حكمه، فإن الحلقة المقربة من روحاني تريد الخروج بصفقة تعتبرها رابحة”.
بدورهم، شكك مراقبون ومعلقون إيرانيون بمصداقية إقدام السلطات الإيرانية على إطلاق سراح زنجاني، حتى لو دفع المبلغ المطلوب منه كمساومة.
لكن كبير محامي زنجاني، رسول كوهيايزاده، عبر عن ثقته بالمساومة المنوي عقدها، لأن موكله “تخلى عن جميع أصوله المالية لصالح شركة النفط الوطنية الإيرانية، ويعمل على استرداد المبلغ المتبقي من خلال شركاته المالية والتجارية الدولية”.
المعلومات القليلة حول مجمل ثروة زنجاني تقول إنها تتراوح ما بين 12 إلى 15 مليار دولار، على الرغم من صغر سنه أثناء اعتقاله (فقط أربعين عاما).
وكان الكثير من المواطنين الإيرانيين، وحيز واسع من المراقبين للمشهد الإيراني، يعتبرونه واحدا من “الأغنياء الجدد”، الذين صعدوا فجأة في المشهد العام الإيراني بعد عام 2005، عقب تولي أحمدي نجاد رئاسة إيران، حيث أن تعرض البلاد لسيل من العقوبات الدولية دفع النظام للشراكة مع مجموعة من رجال الأعمال في القطاع الخاص، للالتفاف حول تلك العقوبات.
الباحث الاقتصادي الإيراني، متوكل إبراهيم خان، تطرق في تصريحات إلى الآليات التي يعتمدها النظام الإيراني مع هؤلاء الأغنياء الجدد لاستعادة ما يعتبرونه “أموالهم الخاصة”.
وأوضح: “كان إعدام النظام الإيراني لرجل الأعمال المعروف محفريد أمير خسروي في ربيع عام 2014 بمثابة الحدث الذي أطلق فيه النظام حملته تجاه هذه الطبقة من رجال الأعمال، الذين تقدر السلطات الإيرانية مجموع ثرواتهم بأكثر من 200 مليار دولار، ويتوزعون على أكثر من 400 رجل أعمال”.
وأضاف: “يستخدم جهاز القضاء الإيراني محكمة شديدة القسوة هي (المحكمة الثورية)، التي كانت تختص بالمعارضين السياسيين وتقصيهم. فوق ذلك فإنها تستخدم تهمة يُستحال ردها أو إثبات نفيها (نشر الفساد في الأرض)، وبالتالي فإن القضاء يعمل فقط كأداة لتنفيذ الإرادة والقرارات المسبقة من قِبل النظام الإيراني”.