شهدت قارة أفريقيا، خلال النصف الأول من العام الجاري، سلسلة من الهجمات المسلحة المروعة، والتي راح ضحيتها الآلاف بين مدنيين وعسكريين في الأقاليم الخمسة للقارة.
وبلغ إجمالي عدد الهجمات الدامية في القارة خلال الستة أشهر الماضية، منذ يناير 2021 وحتى نهاية يونيو من العام نفسه، ما يزيد عن 315 هجوما، خلّف ما يزيد عن 5236 قتيلا، بخلاف المصابين والمختطفين.
وبتحليل البيانات الشهرية لتقرير “عدسة الإرهاب في أفريقيا”، الذي يصدر في القاهرة عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية، فإن أكثر شهر شهد سلسلة من العمليات الإرهابية خلال النصف الأول من العام 2021، هو شهر يناير الماضي، بواقع 66 عملية، بينما كان شهر مارس الماضي الأعنف من ناحية عدد ضحايا الهجمات المنفذة في القارة، بواقع 1835 قتيلا.
وتشهد القارة تناميا مقلقا في نشاط التنظيمات الإرهابية، التي تنظر إلى أفريقيا بوصفها بيئة مناسبة للانتشار، تتوافر فيها الظروف الموائمة لنمو تلك التنظيمات وانتشارها. ويأتي إقليم غرب أفريقيا كأكثر أقاليم القارة تأثرا بالهجمات الإرهابية.
وشهدت 15 دولة أفريقية، 66 هجوما إرهابيا في شهر يناير، خلف 642 قتيلا و96 مصابا (السودان تصدر قائمة الأكثر تضررا من حيث عدد الضحايا، فيما شهد الصومال عددا أكبر من الهجمات)، وجاء إقليم شرق أفريقيا كأكثر الأقاليم تعرضاً لعمليات دامية خلال الشهر الأول من العام.
وفي الشهر الثاني، سقط ما لا يقل عن 413 شخصا جراء 56 هجوما إرهابيا شهدته القارة، وجاء إقليم غرب أفريقيا كأكثر الأقاليم تضررا. وتصدرت نيجيريا قائمة أكثر الدول الأفريقية تضررا بالعمليات الإرهابية خلال الشهر لجهة عدد الضحايا.
وفي مارس 2021 سقط ما لا يقل عن 1835 شخصا على أثر 45 هجوما دمويا تقريبا. وجاء إقليم شرق أفريقيا كأكثر الأقاليم تضررا. بينما في أبريل من العام نفسه سقط ما لا يقل عن 886 ضحية في 59 عملية دموية خلال الشهر.
وفي الشهر الخامس، سقط ما لا يقل عن 766 شخصا جراء 42 هجوما وحادثا إرهابيا في القارة. وفي يونيو شهدت أفريقيا 47 هجوما إرهابيا تسبب في وفاة حوالي 694 شخصا وإصابة واختطاف المئات. وجاءت نيجيريا في طليعة الدول المتأثرة بتلك العمليات، وسقط فيها ما يصل إلى 200 ضحية على الأقل بسبب مذابح بوكو حرام.
استراتيجية داعش
خبير الأمن القومي المتخصص في الشؤون الإفريقية، اللواء محمد عبد الواحد، يقول في تصريحات خاصة من القاهرة، إنه “بعد خسائر تنظيم داعش في سوريا والعراق حاول أن ينقل مناطق نفوذه وأن يبحث عن بؤر نفوذ أخرى في أماكن بديلة، وقد اتجه إلى أفريقيا، وتمكن من تأسيس أفرع له فيها”.
ويلفت إلى أن الفرع الأخطر هو الفرع الذي يتحرك من جنوب غرب ليبيا مروراً بتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وشمال نيجيريا وشمال مالي وصولا إلى المحيط الأطلنطي “وهو فرع صامد وينفذ عمليات شديدة الخطورة ضد القوات المختلفة في تلك البلدان الأفريقية، ويصيب المئات”.
ومن عوامل خطورة ذلك الفرع، وفق عبد الواحد، هو أنه “تتواجد في هذه المنطقة قوات متعددة، من بينها القوات الفرنسية البالغ قوامها 5200 جندي، فضلا عن القوات الأممية التي تصل إلى 16 ألف جندي، إضافة إلى القوات الأميركية في المنطقة، وهناك قاعدة عسكرية أميركية في النيجير وقاعدة أخرى ألمانية لوجيستية، بالإضافة إلى الجيوش الوطنية في هذه المنطقة”.
ويشير إلى أنه “على رغم تلك الكثافة الأمنية إلا أن التنظيم يستطيع أن يتحرك بحرية كاملة”، موضحاً في الوقت نفسه أن هناك فرعاً آخر في غرب أفريقيا، ويصل إلى الكونغو وينتقل إلى شمال موزمبيق ويسعى إلى الوصول إلى تنزانيا والتوغل فيها ثم كينيا والصومال.
بوكو حرام
ويتحدث خبير الأمن القومي المتخصص في الشؤون الأفريقية عن تنظيم بوكو حرام، باعتبار من أخطر التنظيمات الموجودة، موضحا أن التنظيم في نيجيريا جزء منه أعلن الولاء لتنظيم داعش في وقت سابق “والصراع القائم حالياً بعد مقتل قائد التنظيم يعود للتنافس الموجود بين داعش في أفريقيا وتنظيم القاعدة”.
وفي سياق متصل، يشير إلى أن التنظيم الداعشي في أفريقيا ينطلق من استراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية؛ المحور الأول مرتبط بالتركيز على توجيه ضربات موجعة لقوات الشرطة والجيش في المناطق التي يتواجد فيها التنظيم، تتسم بكونها شديدة العنف وتعتمد على سرعة التكنيك السريع في الكر والفر، موضحاً أن “التنظيم يتغاضى حالياً عن فكرة التوسع”.
والمحور الثاني ضمن تلك الاستراتيجية مرتبط باعتماد التنظيم على أدواته الإعلامية، وذلك في محاولة للإيحاء لكل المتعاطفين معه والجماعات الداعشية الأخرى، لاسيما الذئاب المنفردة والخلايا النائمة، بينما المحور الثالث مرتبط بمحاولة التوسع في تأسيس محاور له في مناطق مختلفة داخل وخارج القارة.