تحت لهيب الشمس الحارقة في صعيد مصر، ينهمك رجال الترميم بمعبد «دندرة» في إعادة الحياة إلى النقوش المنتشرة على جدرانه وإظهار ألوانها الأصلية والمناظر والنصوص الفريدة، بينما ترتسم على وجوههم ابتسامة كبيرة مع انتهاء كل مرحلة.
وفي الآونة الأخيرة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عدد من الصور الخاصة بأعمال الترميم في المعبد الواقع بمحافظة قنا، مع إشادة بالجهود المبذولة داخل أبرز التحف المعمارية بمصر القديمة، ومحاولة التعرف على سر تلك النتائج المبهرة داخل الصرح الأثري الكبير.
وتعود أهمية المعبد الذي جرى بناؤه في العصر اليوناني الروماني، إلى تشييده بفن معماري فريد وغني باللوحات والنقوش، فضلا عن تزيين جدرانه وأعمدته بكتابات هيروغليفية وتماثيل بالغة الدقة والجمال، والتي تعرض بعضها للتلف في عصور سابقة، وفقا لوزارة السياحة والآثار المصرية.
ويتحدث رئيس وحدة ترميم آثار معبد دندرة، ممدوح علي، ، قائلا: «نعمل بجدية وإخلاص كبير من أجل بلادنا وتاريخنا العريق. سعداء بتحول المعبد إلى مزار عالمي بعد الانتهاء من المرحلة الأولى والثانية من الترميم، ونعد بالمزيد في الفترة المقبلة».
وكانت وزارة السياحة والآثار المصرية قد أعلنت في مارس الماضي عن الانتهاء من أعمال المرحلة الثانية من مشروع ترميم وتطوير المعبد، والتي شملت صالة الأعمدة الكبرى وصالة الإشراق، مشيرة في بيان رسمي إلى أن الأعمال «ما زالت مستمرة داخل الحجرات الجانبية المحيطة بصالة التجلي، تمهيدا لافتتاحها قريبا».
ويؤكد مرمم الآثار الثلاثيني ، على أن أعمال الترميم في المعبد بدأت عام 2005 تحت إشراف الدكتور جمال محجوب، رئيس الإدارة المركزية للترميم حينذاك، الذي منح الأولوية لتنظيف الجدران من الرماد وتثبيت ألوان النقوش وإزالة آثار التدهور القائم منذ آلاف السنين.
وعانى المعبد من تدهور النقوش الجدارية وما تحمله من ألوان، نتيجة لطبقات «السناج»، الناتجة عن تصاعد الأدخنة بسبب عوامل عديدة، من بينها استخدام المعبد للسكن في عصور سابقة، وبالتالي تصاعدت الأدخنة فيه جراء طهي الطعام وحرق الأخشاب واستخدامها للإضاءة، بالإضافة إلى الأتربة والعوالق السطحية التي تحدثها الرياح، بحسب وزارة السياحة.
ويتابع علي بينما يتحرك في أنحاء المعبد: «نجح الدكتور محجوب في وضع تركيبة كيميائية خاصة بالترميم قادرة على إزالة الرماد والأوساخ بصورة مبهرة، لتظهر النقوش والألوان الزاهية للجدران، وقد استخدمناها خلال ترميم الصالة الأولى بالمعبد».
ويضيف رئيس وحدة ترميم آثار معبد دندرة: «رغم النتائج المميزة لتلك التركيبة، فإن العمل توقف بها نظرا لمغادرته المعبد عام 2011. ومن أجل استمرار أعمال الترميم استخدمنا مواد جديدة مُجهزة من قبل متخصصين، بعد إجراء عدد من الاختبارات على الأثر لضمان الوصول إلى أفضل محصلة».
وعلى مدار سنوات، حقق فريق المرممين بمعبد دندرة الكثير من النجاحات، من بينها ترميم بوابة المعبد الرئيسية في الجهة الشمالية، وصالة الأعمدة الكبرى، وسلم النزول المستقيم، و3 سراديب وسطح المعبد، بالإضافة إلى صالة التجلي والماميزي (بيت الولادة الروماني) وفقا لحديث الرجل الثلاثيني.
ويسترسل : «لا يكل أو يمل الفريق الذي يضم 15 مرمما أثريا من العمل بحماس لتحويل الجدران المختبئة خلف الرماد إلى صورة زاهية، يعملون يوميا لساعات طويلة ويتلاشى شعورنا بالإرهاق عند توافد الزوار على المعبد ورؤية فرحتهم بالنقوش والمناظر الجميلة».
وعن الطريقة المستخدمة في ترميم معبد دندرة، يوضح مدير ترميم آثار ومتاحف مصر العليا، عبد الناصر عبد العظيم، ، لجوء الفريق في بداية الأمر إلى «التنظيف الميكانيكي للنقوش الجدارية، ثم التنظيف الكيميائي، عن طريق مواد مخصصة لإزالة أثر الأدخنة وفضلات الطيور، دون تعرض المكان لضرر».
ويتابع: «نستخدم أيضا كمادات ورقية متعارف عليها في عالم الترميم لتحسين حالة الجدران والنقوش، وفي بعض الأحيان نستبدل الترميمات القديمة بأخرى حديثة في حالة تعرضها للتلف، ثم ترميم طبقة الألوان وتثبيتها بمواد كيماوية».
وينوه عبد العظيم إلى «مساندة الوزارة والمجلس الأعلى للآثار لجهود الترميم بمعبد دندرة، من خلال المتابعة الدائمة والزيارات المستمرة وافتتاح المشروعات المختلفة عقب الانتهاء منها، فضلا عن توفير مواد الترميم اللازمة سواء من داخل مصر أو خارجها».
ومنحت وزارة السياحة والآثار المصرية الضوء الأخضر عام 2019 للبدء في مشروع تطوير فناء معبد دندرة، بالتعاون مع بعثة أثرية فرنسية، لتحويله إلى متحف مفتوح للقطع الأثرية الحجرية المنتشرة على أرض المعبد، وبيت الولادة الروماني، لوضعها في بوابة الدخول الرئيسية للمعبد.
ويعتقد مدير ترميم آثار ومتاحف مصر العليا، أن معبد دندرة «لا يزال يحمل بين جنباته الكثير من الجدران الخلابة والنقوش النادرة»، مشددا على «اهتمام الجميع من فرق العمل المختلفة، بوضع المعبد في المكانة التي يستحقها».