الرئيسيةمنوعات عالميةسوريا.. أول سائقة توك توك في الحسكة تقتحم عالم الرجال

سوريا.. أول سائقة توك توك في الحسكة تقتحم عالم الرجال

خلال‭ ‬مواسم‭ ‬الصيف‭ ‬الحارقة‭ ‬تحرص،‭ ‬صباح‭ ‬ناصر،‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬قوالب‭ ‬الثلج‭ ‬الكبيرة‭ ‬بدراجتها‭ ‬ذات‭ ‬الثلاث‭ ‬عجلات‭ ‬المعروفة‭ ‬بــ»توك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مخيم‭ ‬‮«‬واشو‭ ‬كاني‮»‬‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬مدينة‭ ‬الحسكة‭ ‬لتسلِّمها‭ ‬في‭ ‬مواعيدها‭ ‬المحددة‭ ‬لأصحاب‭ ‬المحال‭ ‬في‭ ‬المخيم‭ ‬قبل‭ ‬اشتداد‭ ‬الحر‭.‬

تصل‭ ‬صباح‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬إلى‭ ‬المخيم‭ ‬وتُسلّم‭ ‬طلبيات‭ ‬الباعة‭ ‬وتعود‭ ‬أدراجها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وتنقل‭ ‬طلبيات‭ ‬جديدة‭.‬

تروي‭ ‬صباح،‭ ‬وهي‭ ‬أم‭ ‬لطفلة‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬تسمى‭ ‬زينب،‭  ‬حكاية‭ ‬دخولها‭ ‬غمار‭ ‬عمل‭ ‬يعتبره‭ ‬المجتمع‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الذكور،‭ ‬لتكسر‭ ‬هي‭ ‬وأُخرياتٍ‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬للظاهرة‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬بعضها‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

وتُشير‭ ‬صباح‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تكافح‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬لأجل‭ ‬عائلتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشخاص‭ ‬لتوفر‭ ‬دخلاً‭ ‬يحفظهم‭ ‬من‭ ‬الحاجة،‭ ‬فهي‭ ‬تحاول‭ ‬مساعدة‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬ولا‭ ‬تتوفر‭ ‬له‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬لمواسم‭ ‬محددة‭.‬

16‭ ‬عاما

تقود‭ ‬صباح‭ ‬المتحدرة‭ ‬من‭ ‬حيّ‭ ‬‮«‬الخشمان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحسكة‭ ‬دراجة‭ ‬الشحن‭ ‬الصغيرة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬ولم‭ ‬تتخيل‭ ‬أن‭ ‬توفّر‭ ‬هويتها‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الدراجات‭ ‬فرصة‭ ‬لكسب‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬وتضيف‭ ‬السيدة‭ ‬الثلاثينية‭ ‬أنها‭ ‬حاصلة‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬لكن‭ ‬الظروف‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بإتمام‭ ‬دراستها‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬جامعية‭.‬

ورغم‭ ‬الجهد‭ ‬المُنهك‭ ‬الذي‭ ‬تبذله‭ ‬‮«‬أم‭ ‬زينب‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬تُفضّل‭ ‬تسميتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬سعيدة‭ ‬بعملها‭ ‬لاسيما‭ ‬وأنها‭ ‬باتت‭ ‬معروفة‭ ‬لدى‭ ‬غالبية‭ ‬سكان‭ ‬مدينتها‭ ‬وبات‭ ‬ظهورها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬وفي‭ ‬ورش‭ ‬البناء‭ ‬والمخيمات‭ ‬مألوفاً‭ ‬لدى‭ ‬العامة‭.‬

رحلة‭ ‬العمل‭ ‬اليومية

تستيقظ‭ ‬يومياً‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬صباحاً،‭ ‬وتقصد‭ ‬سوق‭ ‬الخضرة‭ ‬وسط‭ ‬الحسكة‭ ‬المعروف‭ ‬بسوق‭ ‬الشحن‭ ‬لتنقل‭ ‬4‭ ‬و5‭ ‬شحنات‭ ‬من‭ ‬الخضار‭ ‬لباعة‭ ‬محال‭ ‬الخضار‭ ‬والفاكهة‭ ‬في‭ ‬حارات‭ ‬المدينة‭.‬

وتتقاضى‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬نقلة‭ ‬6500‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬الدولارين،‭ ‬وبعدها‭ ‬تنقل‭ ‬وجبتين‭ ‬من‭ ‬ألواح‭ ‬الثلج‭ ‬لمخيم‭ ‬واشو‭ ‬كاني‭ ‬لنازحي‭ ‬رأس‭ ‬العين‭ ‬وتل‭ ‬أبيض،‭ ‬وتعود‭ ‬لبيتها‭ ‬لتتناول‭ ‬فطورها‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬وترتب‭ ‬منزلها‭ ‬وتُطعم‭ ‬ابنتها‭ ‬الرضيعة‭ ‬‮«‬زينب‮»‬‭ ‬وتضعها‭ ‬عند‭ ‬والدتها‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬والدة‭ ‬زوجها‭.‬

وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬تبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬أكثر‭ ‬شقاءً‭ ‬وهي‭ ‬نقل‭ ‬حمولات‭ ‬الإسمنت‭ ‬والرمل‭ ‬إلى‭ ‬وُرش‭ ‬البناء‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭ ‬وأحياناً‭ ‬في‭ ‬ريفها،‭ ‬وتتقاضى‭ ‬حينها‭ ‬أجراً‭ ‬أكبر‭ ‬بسبب‭ ‬بُعد‭ ‬المسافات‭ ‬التي‭ ‬تقطعها‭ ‬ذهاباً‭ ‬وإياباً‭.‬

وتقول‭ ‬صباح،‭ ‬إنها‭ ‬توفّر‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬عملها‭ ‬حوالى‭ ‬60ألف‭ ‬ليرة‭ ‬بحدود‭ ‬العشرين‭ ‬دولار‭.‬

ولا‭ ‬تتقاعس‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬عملها‭ ‬حتى‭ ‬أيام‭ ‬العُطل،‭ ‬فالإجازات‭ ‬ملغيّة‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬عملها‭ ‬لرغبتها‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬شاحنة‭ ‬كبيرة‭ ‬لتعمل‭ ‬عليها‭ ‬وتوفر‭ ‬وتكسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والوقت‭ ‬والجهد‭.‬

مواجهة‭ ‬التنمر

وتُعتبر‭ ‬صباح‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬تنافس‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬الشاقة‭ ‬بالحسكة،‭ ‬فالظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬الصعبة‭ ‬أجبرتها‭ ‬على‭ ‬احتراف‭ ‬قيادة‭ ‬هذه‭ ‬المركبة‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬مجتمعها،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬مهنتها‭ ‬الآن‭ ‬ولا‭ ‬تردُّ‭ ‬على‭ ‬المتنمرين‭ ‬لعملها‭.‬

وأشارت‭ ‬في‭ ‬حديثها،‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تُعيرُ‭ ‬المتنمّرين‭ ‬أية‭ ‬أهمية‭ ‬لأنه‭ ‬وبرأيها‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فروق‭ ‬بين‭ ‬الجنسين،‭ ‬وبإمكان‭ ‬النساء‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الميادين‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬الرجال‭ ‬ساحاتهم‭ ‬الخاصة‭.‬

وقالت‭ ‬إنها‭ ‬تعرضت‭ ‬بالبداية‭ ‬لمضايقات‭ ‬لاسيما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سائقي‭ ‬‮«‬التوك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يوجهون‭ ‬لها‭ ‬كلاماً‭ ‬لاذعاً،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬بدأت‭ ‬نظرتهم‭ ‬لها‭ ‬تتغير‭ ‬وتعاملهم‭ ‬معها‭ ‬تحسن‭.‬

وتؤكد‭ ‬صباح‭ ‬أنها‭ ‬لاقت‭ ‬التشجيع‭ ‬من‭ ‬عائلتها‭ ‬وزوجها‭ ‬ولامست‭ ‬الثناء‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬يُلوحنَ‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬بعيدٍ‭ ‬مُبتسماتٍ‭ ‬كلّما‭ ‬مرت‭ ‬بجانبهن‭.‬

تقبُّل‭ ‬اجتماعي

وخلال‭ ‬حديثهم‭ ‬‬أثنى‭ ‬مواطنون‭ ‬من‭ ‬الحسكة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬صباح‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬محافظ‭.‬

وتقول‭ ‬طالبة‭ ‬جامعية‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تستوعب‭ ‬بداية‭ ‬كيف‭ ‬لسيدة‭ ‬أن‭ ‬تتحمّل‭ ‬عبء‭ ‬مهنة‭ ‬شاقة‭ ‬قد‭ ‬تقودها‭ ‬لمشاحنات‭ ‬مع‭ ‬سائقين‭ ‬رجال‭ ‬ممّن‭ ‬قد‭ ‬تُصادفهم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬أو‭ ‬المواقف‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬بات‭ ‬مشهد‭ ‬وجود‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ساحات‭ ‬العمل‭ ‬مألوفاً‭ ‬لأنها‭ ‬كسرت‭ ‬احتكاراً‭ ‬ذكورياً‭ ‬وشجعت‭ ‬فتيات‭ ‬ونساء‭ ‬أخريات‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬خاصة‭ ‬بالرجال‭.‬

Most Popular

Recent Comments