تحتوي أطراف الأصابع على أعلى تركيز من الغدد العرقية مقارنة بأي مكان آخر في الجسم، وفي ورقة بحثية نُشرت في دورية “جول” المرموقة، طور الباحثون جهازاً جديداً يحصد الطاقة من العرق الموجود على أطراف الأصابع، حيث يعد ذلك الابتكار الجهاز الأفضل الذي تم اختراعه على الإطلاق من ناحية القدرة على حصاد طاقة من الجسم، إذ ينتج 300 مللي جول من الطاقة لكل سنتيمتر مربع، دون أي مدخلات طاقة ميكانيكية أثناء النوم لمدة 10 ساعات و30 مللي جول إضافية من الطاقة بضغطة واحدة من الإصبع.
ويقول المؤلفون إن الجهاز يمثل خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة للإلكترونيات القابلة للارتداء ذاتية الاستدامة، إذ يُمكن أن يمد تلك الإلكترونيات بطاقة لتشغيلها بالكامل دون الحاجة لمصدر خارجي، ويتكيف الجهاز مع النشاط اليومي الذي لا يتطلب أي استثمار في الطاقة تقريباً، إذ يمكنك أن تنسى أمر الجهاز تماماً، وتخلد إلى النوم أو تقوم بعمل مكتبي مثل الكتابة، مع الاستمرار في توليد الطاقة، ما يولد «قوة من عدم فعل أي شيء» على حد قول الباحثين.
وتتطلب أجهزة الطاقة السابقة التي تعتمد على العرق تمارين مكثفة، مثل مسافة كبيرة من الجري أو ركوب الدراجات، قبل أن يتعرق المستخدم بدرجة كافية لتنشيط توليد الطاقة، لكن الكمية الكبيرة من الطاقة المستهلكة أثناء التمرين يمكن أن تلغي بسهولة الطاقة المنتجة، ما يؤدي غالباً إلى عائد طاقة على الاستثمار أقل من 1%.
وبدلاً من الاعتماد على مصادر خارجية غير منتظمة مثل ضوء الشمس أو الحركة، كل ما تحتاجه هو ملامسة الأصابع لجمع أكثر من 300 مللي جول من الطاقة أثناء النوم – والتي يقول المؤلفون إنها كافية لتشغيل بعض الأجهزة الإلكترونية الصغيرة القابلة للارتداء. ونظراً لعدم الحاجة إلى الحركة، فإن النسبة بين الطاقة المحصودة والطاقة المستثمرة هي في الأساس لانهائية.
ويبدو من الغريب اختيار أطراف الأصابع كمصدر لهذا العرق مقارنة بالمناطق الأخرى، على سبيل المثال تحت الإبطين، ولكن في الواقع، تحتوي أطراف الأصابع على أعلى تركيز من الغدد العرقية مقارنة بأي مكان آخر في الجسم.
فيمكن أن تصل معدلات التعرق على الإصبع إلى بضعة ميكرولتر لكل سنتيمتر مربع في الدقيقة، وهذا أمر مهم مقارنة بالمواقع الأخرى في الجسم، حيث تكون معدلات العرق أقل بمقدار مرتين أو 3 مرات.
والجهاز الذي طوره الباحثون في هذه الدراسة هو نوع من حاصدات الطاقة يسمى خلية الوقود الحيوي (BFC) ويتم تشغيله بواسطة اللاكتات؛ وهو مركب مذاب في العرق. من الخارج، يبدو وكأنه قطعة بسيطة من الرغوة متصلة بدائرة بواسطة أقطاب كهربائية، وكلها متصلة بلوحة الإصبع. تصنع تلك الرغوة من مادة أنابيب الكربون النانوية، ويحتوي الجهاز أيضاً على هيدروجيل يساعد على زيادة امتصاص العرق.
ويبلغ حجم الجهاز حوالي سنتيمتر واحد مربع. كما أن مادته مرنة أيضاً، لذا لا داعي للقلق بشأن كونه شديد الصلابة أو الشعور بالغرابة، يمكنك ارتدائه بشكل مريح لفترة طويلة من الوقت.
داخل الجهاز، تحدث سلسلة من التفاعلات الكهروكيميائية، تم تجهيز الخلايا بأنزيم حيوي على الأنود، يؤكسد ذلك الأنزيم أو يزيل الإلكترونات من اللاكتات، ويتم ترسيب الكاثود بكمية صغيرة من البلاتين لتحفيز تفاعل الاختزال الذي يأخذ الإلكترون لتحويل الأكسجين إلى ماء.
وبمجرد حدوث ذلك، تتدفق الإلكترونات من اللاكتات عبر الدائرة، ما يخلق تياراً من الكهرباء، تحدث هذه العملية بشكل عفوي، فطالما توجد اللاكتات، فلا حاجة إلى طاقة إضافية لبدء العملية.
بالاعتماد على حركة الضغط الطبيعية للأصابع أو الحركات اليومية مثل الكتابة، ساعدت هذه المولدات في إنتاج طاقة إضافية من أي عمل؛ فبالكاد تتطلب ضغطة واحدة بإصبع مرة واحدة في الساعة 0.5 مللي جول من الطاقة فقط، ولكنها أنتجت أكثر من 30 مللي جول من الطاقة، أي 6000% العائد على الاستثمار.
وتمكن الباحثون من استخدام الجهاز لتشغيل أنظمة استشعار فيتامين ج والصوديوم الفعالة، وهم متفائلون بشأن تحسين الجهاز ليكون له قدرات أكبر في المستقبل، ما قد يجعله مناسباً لتطبيقات الصحة المدمجة في الأجهزة؛ كجهاز قياس نسبة الجلوكوز في الدم، كما يُمكن استخدامه أيضاً لتشغيل الساعات الذكية التي يقول الباحثون إنها لن تحتاج إلى شاحن في المستقبل القريب.