أوقفت السلطات الأردنية، أمس الثلاثاء، الناشطة السورية حسنة الحريري (58 عاما)، ونقلتها قسرا إلى مخيم الأزرق للاجئين، بعدما كانت تلقت أمرا بمغادرة الأراضي الأردنية الشهر الماضي. المعتقلة السابقة التي كانت قدمت شهادتها حول ما عاشته في السجون السورية متحدثة عن حوادث اغتصاب واعتداءات جنسية يومية، تبدي تخوفها من الترحيل إلى سوريا وتعرضها للاعتقال مجددا.
“أحمّلكم مسؤولية ما سيحل بي. أنا أمانة في رقبتكم… أنا في خطر كبير”، هكذا وصفت وضعها اللاجئة السورية حسنة الحريري المعروفة بمعارضتها للنظام السوري والمعتقلة السابقة، وأعربت في تسجيل صوتي عن تخوفها من إمكانية ترحيلها إلى سوريا بعدما تلقت الشهر الماضي أمرا من السلطات الأردنية بمغادرة أراضي المملكة خلال 14 يوماً.
أمس الثلاثاء 4 أيار/مايو، أكدت ابنتها تعرض أمها للاعتقال من السلطات الأردنية، واقتادت السلطات الحريري إلى مخيم الأزرق للاجئين الذي يبعد حوالي 80 كيلومترا شمال شرق العاصمة عمان، لوضعها في قسم “القرية الخامسة” المغلق.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد أن السلطات الأردنية أبلغت ثلاثة لاجئين سوريين بوجوب مغادرتهم الأردن، بينهم حسنة الحريري التي تبلغ 58 عاما. وناشد المرصد السلطات الأردنية لإيقاف ترحيل الحريري و”جميع السوريين من أراضي المملكة الهاشمية”، محذرا من إمكانية “تعرضها للاعتقال من قبل النظام السوري، في حال إرغامها على العودة”.
وأشار ناشط سوري لمهاجرنيوز، يتحفظ على ذكر اسمه خوفا على سلامته، إلى أن السلطات أوقفت الحريري وابنها ابراهيم قاسم الحريري وزوجته وأولادهم، وأن الناشط رأفت الصلخدي مهدد بالترحيل أيضا.
بعد أن تعرضت للاعتقال لعدة مرات بين عامي 2011 و2013، خرجت الحريري من المعتقل إثر صفقة لتبادل أسرى بين المعارضة والنظام. ولجأت الملقبة بـ”خنساء حوران” إلى الأردن، “رافضة فكرة اللجوء إلى أوروبا كونها أرادت ألا تذهب بعيدا عن مدينتها درعا”، حسبما أكد الناشط السوري.
المرأة الخمسينية كانت من القلائل اللواتي قدمن شهادتهن حول وضع المعتقلات، ونشرت في صحيفة “لوموند” الفرنسية جزءا من تفاصيل ما عاشته وتعرضت له السجينات الأخريات من تعذيب وإهانة واعتداءات جنسية. وذلك إثر عرض الفيلم الوثائقي الفرنسي “الصرخة المخنوقة” عام 2017، حول استخدام الاغتصاب كسلاح نفسي واجتماعي من قبل القائمين على النظام السوري.
وفقا لتسجيلات صوتية لها تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتأكد مهاجرنيوز من صحتها، أكدت الحريري أنها كانت تتعرض للضغط من قبل السلطات الأردنية، وأنها اضطرت للهرب من منزلها خوفا من تعرضها للترحيل قسريا.
وبحسب الرواية الرسمية، تلقت الحريري تحذيرات عدة مرات حول “نشاطات غير قانونية تسيء للأردن”.
السلطات الأردنية من جهتها لم تصدر أي تعليق رسمي حول تطورات الوضع، إلا أن وكالة “عمون” الإخبارية المحلية كانت نقلت الشهر الماضي عن مصدر خاص، قوله إن الأردن لم يجبر الحريري والناشطين المذكورين سابقا “على العودة إلى سوريا”. إلا أنه شدد على أن الأردن لن يسمح لأحد بأن يتجاوز القانون”.
الصحفية الفرنسية أنيك كوجن التي كانت نشرت شهادتها في صحيفة “لوموند”، تمكنت من التواصل مع الحريري ليل أمس، ونقلت عنها أنه “في نهاية عام 2018، اتصلت بي المخابرات (الأردنية) وحذرتني من أن النظام السوري يطلب نقلي إلى سوريا. قيل لي: ‘هذا فقط لتحذيرك’. شعرت حينها بالحماية في الأردن بموجب القانون الدولي. في بداية نيسان/أبريل 2021، تم استدعائي من قبل نفس الجهة وقالوا لي: السوريون يطلبونك بإصرار. لديك 14 يوما لمغادرة الأردن. شعرت بالصدمة. النظام السوري أكد أنه طلب رسميا من الأردن تسليم 40 لاجئا سوريا إليه، بمن فيهم أنا وحمزة الصلخدي”.
وأشارت الحريري إلى أنها بعد أن تمكنت أخيرا من لقاء مفوضية اللاجئين، عُرض عليها اللجوء إلى ثلاث دول محتملة (ألمانيا أو النرويج أو السويد). اختارت الحريري ألمانيا لكن الوقت لم يسعفها، فقبل إتمام العملية اعتُقلت الناشطة السورية والأم التي فقدت 13 فردا من عائلتها، بينهم زوجها وثلاثة من أولادها.
القرية الخامسة في مخيم الأزرق
مخيم الأزرق الذي نُقلت إليه الحريري، تديره المنظمات التابعة للأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة الأردنية. وأُنشأ المخيم منتصف عام 2014 بعد تزايد عدد الوافدين السوريين إلى الأردن. لكن في عام 2016، كجزء من حل توافقي مع الأردن للسماح بدخول نحو 21 ألف سوري كانوا عالقين على المنطقة الحدودية، أقامت السلطات قسما مغلقا محاطا بالأسلاك الشائكة ويعرف باسم “القرية الخامسة”.
بداية، كان الهدف المعلن عن ذلك القسم هو إيواء اللاجئين الذين يمثلون خطرا أمنيا محتملا، كالقادمين من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو من اللذين لديهم قضايا أمنية.
حاليا، يؤوي المخيم حوالي 37 ألف لاجئ وفقا لأرقام مفوضية اللاجئين. ويعد ثاني أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن، الذي بستقبل حوالي مليون و300 ألف سوري، أكثر من 650 ألف منهم مسجلين رسميا لدى مفوضية اللاجئين.
في تصريح خاص لمهاجرنيوز، قالت المتحدثة باسم المنظمة الأممية في الأردن ليسلي كارليسلي، إن “القرية الخامسة منطقة مغلقة داخل مخيم الأزرق للاجئين” ويعيش فيها حاليا 10 آلاف شخص لا يسمح لهم التنقل بحرية. لكنها أوضحت أن المفوضية لديها وصول لكامل أقسام المخيم.
وأوضحت كارليسلي أنه “يمكن للاجئين الذين يعيشون هناك التقدم بطلب للحصول على تصاريح إجازة” للتنقل بين أقسام المخيم الأخرى وخارج المخيم، “لأسباب تتعلق بالعمل أو الزيارات العائلية وما إلى ذلك”.
مركز ترحيل واحتجاز ضمن مخيم للاجئين؟
في ظل نقص المعلومات المتوافرة حول هذا القسم من المخيم، يبدو أن عدد المحتجزين في “القرية الخامسة” في تزايد مستمر دون معرفة الأسباب الواضحة التي تؤدي إلى وضع اللاجئين فيه.
وذكر تقرير أمريكي حول حقوق الإنسان تم تحديثه في نهاية آذار/مارس الماضي، إلى أن “القرية الخامسة” تعد بمثابة “مركز ترحيل”.
“في عام 2019، قدرت المنظمات غير الحكومية أن الحكومة نقلت قسرا أكثر من 3800 لاجئ إلى مخيم الأزرق، بما في ذلك أكثر من 2300 إلى القرية الخامسة لأسباب أمنية. ولم يتم إبلاغ الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين بأسباب احتجازهم ولم يتلقوا مساعدة قانونية”. وأفادت المنظمات غير الحكومية أن نصف سكان القرية الخامسة يقيمون هناك منذ أكثر من ثلاث سنوات.
مخاوف الحريري من الترحيل إلى سوريا قد تصبح حقيقة، لا سيما وأن وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” تنشر مرارا أنباء حول عودة السوريين “الطوعية” عبر مركز نصيب الحدودي المجاور لمخيم الأزرق.