تعد السويد الدولة الأولى في العالم من حيث نسبة التبني على عدد السكان، حيث انتشر مبدأ التبني فيها منذ عدة عقود، خصوصاً التبني من الدول الفقيرة، كشرق آسيا وأميركا الجنوبية، ولكن ظهرت فضائح صادمة في السنتين الأخيرتين عن أن العديد من وكالات التبني في أميركا الجنوبية متعاقدة مع عصابات وتنظيمات تخطف الأطفال، ثم يقدمون الأطفال للسويديين على أنهم أطفال عرضوهم أهاليهم للتبني.
وعرض الإعلام العديد من القصص لأشخاص أصحبوا في الأربعينات من عمرهم يتعرفون على أهاليهم الأصليين الذين لم يكونوا يعرفون شيئاً عنهم، أو كانوا يعتقدون أنهم ماتوا وهم صغار.
ما حصل شجّع وسائل الإعلام للبحث أيضاً في التبني من دول أخرى، ليقودهم البحث والتحري إلى فضيحة أخرى، تتعلق هذه المرة بكوريا الجنوبية. كوريا الجنوبية: أكبر مصدر لأولاد التبني للسويد
تعد كوريا الجنوبية المصدر الأول للتبني عند السويديين، حيث بدأ التبني منها منذ الستينات، وكانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة حينها، وحتى مع مرور السنين وتغير الحال في كوريا الجنوبية لتصبح دولة غنية فإن التبني منها لا يزال مستمراً.
الدافع الأساسي للتبني في كوريا الجنوبية هو الوضع الاجتماعي وليست الحالة الاقتصادية، حيث أن المرأة التي تحمل من غير زواج مرفوضة اجتماعياً، وبالتالي ستدخل في أزمة اجتماعية شديدة إن كان لها مولود، بداية من تبرؤ الأهل منها، وانتهاء بمقاطعة الجميع لها بما في ذلك فصلها من عملها.
جهة إرشاد غير محايدة.. مستفيدة من التبني
أول اكتشاف لوجود أمر غير طبيعي في عمليات التبني كان طريق موظف حكومي جديد في الوكالة السويدية لقانون الأسرة ودعم العائلة، حيث بدأ تحرياته قبل عامين، ووجد من الأدلة ما جعله يشكك في قانونية عملية التبني ومدى تطابقها مع الأنظمة التي تعتمدها السويد ومع حقوق الإنسان، وقد تحدث عن عمليات التبني أحد المسؤولين في السفارة السويدية في كوريا قائلاً «أحد أهم إشكاليات عمليات التبني في كوريا الأوراق المزورة وتغيير هويات الأطفال»، و «يحصل أحينا أن يتم تسجيل الطفل على أنه طفل مجهول الهوية تم العثور عليه، في حين أنه ليس كذلك».
التحقيق الذي قام به المسؤول الحكومي أدى إلى اكتشاف أن عمليات التبني كانت مشبوهة منذ أكثر من خمسة عقود، ففي السبعينات مثلاً كانت الشرطة تعثر على بعض الأطفال التائهين عن أهاليهم، وبدلاً من البحث عن أهاليهم كانت تسلمهم لمراكز التبني، وفي الثمانينات والتسعينات كان شائعاً أن يقوم أحد أفراد العائلة بأخذ الطفل رغماً عن أمه وتسليمه لمراكز التبني لدواعي «الشرف».
والآن يخالف نظام التبني في كوريا الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي اعتمدتها السويد كقانون داخلي، كما أن كوريا وعدت منذ عام 2013 بالتوقيع على اتفاقية لاهاي لحقوق الطفل والتي تضمن عودة الأطفال المختطفين إلى أهاليهم، ولكنها كل عام تؤجل التوقيع، ولم يتم التوقيع حتى الآن.
من أبرز وأهم النقاط القانونية التي انتقدها المحقق موضوع ضرورة توفير جهة إرشاد وتوجيه للحامل قبل توقيعها لأي اتفاقية تبني، وقامت كوريا بتنفيذ ذلك ولكن بطريقة غير مقبولة، حيث أوكلت لشركات التبني توفير هذا النصح للأمهات والحوامل، وفي هذا تعارض مصالح واضح، ونتيجته كانت كما هو متوقع، أن يكون النصح والإرشاد للحوامل والأمهات بمنح أطفالهم للتبني، وأن ذلك أفضل لهم، والضغط عليهم بشكل مباشر وغير مباشر في سبيل ذلك.
قصة «تشوي» للتخلي عن ابنها
قامت جريدة أخبار اليوم السويدية بالتواصل مع بعض من مررن بتجربة التبني، الذين رووا العديد من التفاصيل المزعجة خلال رحلتهم مع الحمل والتبني.
من ذلك قصة Choi Hyumgsook، والتي حدثت عام 2004، كان عمرها 35 عاماً حينها، لديها صديق انفصلت عنه، لتكتشف أنها حامل منه، قررت تشوي أن تحافظ على الحمل والمولود، ولكن أصدقاءها قالوا عنها أنها مجنونة، وكانت تعرف أن والديها لن يتقبلا فكرة حملها من غير زواج، وأنهما قد يتبرءا منها، وسيرفضها المجتمع الكوري القائم على ثقافة الشرف.
تحت ضغط صديقتها ذهبت تشوي إلى إحدى مراكز الإيواء للفتيات مثلها اللاتي حملن من غير زواج، تديره كنيسة، حينما قابلتهم كان أول شيء سألوه إن كانت ستمنح طفلها المرتقب للتبني، وقالوا إنهم يقبلون عندهم في مركز الإيواء فقط الحوامل اللاتي يوافقن على منح مواليدهن للتبني، قالت لهم تشوي إنها لم تقرر بعد، سمحوا لها بالدخول وكانت في شهرها السابع.
تقول تشوي إنها خلال إقامتها في مركز الإيواء كان الجميع يكرر عليها أمرين: فكري بطفلك ومستقبله، سيكون مستقبله صعب إن احتفظتِ به، وفكري بنفسك كأم غير متزوجة وكيف سيرفضك المجتمع ويحاربك.
وقام مركز الإيواء بإحضار ثلاث شركات تبني لإسداء النصح لتشوي، وحصلت على جلسة مدتها نصف ساعة مع كل واحدة منهم، الغريب أنهم في جلسات الإرشاد لم يركزوا على تشوي وإرشادها ماذا تفعل والخيارات المتاحة أمامها، بل أغلب أسئلتهم كانت تتعلق بالطفل المرتقب، سألوها عن أصلها وعائلتها وعائلة أبو الطفل والبيئة التي عاشت فيها الأم وتغذيتها، وكان جواب المرشدة من إحدى هذه الجهات: رائع، هذا الطفل لديه جينات جيدة.
إحدى جهات التبني كانت قد حضرت لجلسة الإرشاد ومعها مسبقاً أوراق التبني لتوقع عليها تشوي، وكأنها جلسة تبني وليست جلسة إرشاد، ولكن تشوي رفضت التوقيع عليها.
تقول تشوي: لم يكن عقد تبني بقدر ما كان أشبه بعقد الشراء، كانوا مهتمين بالحصول على المنتج فقط «الطفل»، بدون أي ضمانات له ولا لأمه.
المرشدة قالت لها في نبرة أشبه بالتهديد: أنت تعلمين كم هو صعب لامرأة غير متزوجة أن تربي طفلاً بدون وجود أب أو زوج.
كانت جميع الأمهات الأخريات في مركز الإيواء قد وقعت أوراق التبني، ولم يتبق إلا هي، وتحت هذا الضغط قالت تشوي إنها وقعت الأوراق حينما أصبحت في شهرها التاسع، قامت تشوي بتجهيز سلة للمولود، بها ملابس شعبية كورية، ورسالة له من أمه تشرح له ظروفها، وكم هي تحبه وتتمنى أن تكون قادرة على الاحتفاظ به.
حينما ولدت تشوي، عانقته أمه، وفي نفس اليوم حضرت شركة التبني، وأخذت المولود، ولم يأخذوا السلة.
خرجت تشوي في اليوم الثاني، ولكنها تعلقت كثيراً بمولودها، ثم قامت بالاتصال على جهة التبني، وأبلغتهم أنها تريد ابنها، انزعجوا منها وقالوا إنها لخبطت بذلك عليهم الأوراق، ولكنها أصرت، ورضخت الجهة في النهاية وأخذت تشوي مولودها.
ومنذ ذلك الحين، قررت تشوي أن تعمل ناشطة في هذا المجال، لمساعدة الأمهات الحوامل على الوقوف في وجه الضغط الذي يجدنه من الجميع، ويأخذن خياراتهن بأنفسهن.
جريدة أخبار اليوم قامت بالتواصل مع عشر نساء من مناطق وسنوات مختلفة في كوريا، وكانت إجاباتهم متشابهة: الكل يدفع بهن نحو التبني، ولا أحد يعطي أي نصح أو مشورة لو قررت الأم الاحتفاظ بمولودها.
منظمة «كاروت» لحماية الأطفال من التبني
يعد Kim Do Hyun أشهر ناشط في كوريا الجنوبية ضد التبني، وكان كيم يعمل في سويسرا حينما انتحرت فتاة سويسرية متبناة من كوريا الجنوبية، وقالت في رسالة كتبتها قبل انتحارها: اليوم سأقابل أمي الحقيقية. هذه الحادثة أثرت في كيم كثيراً، إلى درجة أنه قام بتقديم رسالة الدكتوراة عن التبني والأم البيولوجية، ثم عاد إلى سيئول وأنشأ منظمة «كاروت» التي تدعم الأمهات اللاتي حملن من غير زوج ويرغبن في الحفاظ على أبنائهن وعدم تسليمهم للتبني.
قام كيم بمراسلة السفارة السويدية في كوريا الجنوبية عدة مرات مطالباً إياهم بإيقاف التبني من كوريا الجنوبية. يقول بأن مطلبه هذا ليس مطلباً عاطفياً، بل مطلب منطقي عملي، لأن وجود «سوق» لهؤلاء الأطفال هو ما يشجع جهات التبني في كوريا على الضغط على كل من يستطيعون لتوفير هذه البضاعة، وأن همّ جهات التبني هو توفير أكبر عدد ممكن من المواليد، بغض النظر عن أي أعراف أو تقاليد أو قوانين أو أخلاقيات. وأنهم لا يهمهم ما هو الأصلح للطفل ولا للأم.
يقول كيم أن جهات التبني تبحث عن الأطفال الأصحاء الذين يأكلون جيداً، لأنهم ينظرون للعملية كلها على أنها صفقة تجارية ليس أكثر.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الأطفال الذين غادروا كوريا الجنوبية للتبني منذ الخمسينات وحتى الآن يبلغ قرابة 200 ألف طفل