تبذل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد دبيبة، جهودا للإفراج عن الأموال الليبية المجمدة منذ عام 2011، والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، لإنعاش الوضع الاقتصادي المتداعي نتيجة الفوضى.
وبينما ارتاب سياسيون في خطوة الحكومة الحالية في هذا الاتجاه، شدد مراقبون على أن القرار بيد مجلس الأمن الذي يطالب بحكومة منتخبة قبل فك التجميد.
وذكرت مجلة “فوربس” الأميركية إن المؤسسة الليبية للاستثمار جددت مطالبتها للتخفيف من العقوبات الدولية على أصولها المالية، حتى تتمكن من إطلاق موجة جديدة من الاستثمارات داخل الاقتصاد المحلي.
وأضافت أن المؤسسة تعد الآن طلبا لتغيير نظام العقوبات سيتم إرساله عبر حكومة الوحدة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأشارت “فوربس” في تقرير لها إلى أن المؤسسة الليبية للاستثمار تريد السماح لها بتحويل الأموال من حساب مصرفي مجمد إلى آخر، لتجنب التعرض لأسعار فائدة سلبية، من خلال السماح لها بإعادة استثمار الأموال من السندات المستحقة والسماح لها بإجراء استثمارات جديدة بأموال مجمدة.
وأوضح التقرير أن المؤسسة خاطبت الشهر الماضي لجنة العقوبات ملقية الضوء على التأثير السلبي للعقوبات على محفظتها، مبرزا أن تقريرا مستقلا أظهر في أواخر العام الماضي، أن محفظة الهيئة كان من الممكن أن تبلغ قيمتها 40 مليار دولار إضافية إذا لم تكن خاضعة للعقوبات.
الأموال الليبية بالأرقام
وأظهر أن المراجعات الحديثة لمحفظة الشركة من قبل شركة “ديلويت” توصلت إلى أن لدى المؤسسة الليبية للاستثمار أصولاً بقيمة 68.35 مليار دولار، أي أكثر بقليل من الرقم المعلن سابقا والبالغ 67.16 مليار دولار في عام 2012.
وأوضح التقرير أن المحفظة الحالية تميل بشكل كبير نحو النقد، والذي يشكل 49 بالمئة من الإجمالي، وهناك 29 بالمئة أخرى في استثمارات الصناديق، و17 بالمئة في الأصول التجارية والعقارية، ونحو 5 بالمئة في مجالات أخرى بما في ذلك القروض.
وأكد أن أوروبا تستحوذ على 37 بالمئة من المحفظة وأميركا الشمالية بنسبة 33 بالمئة، تليها إفريقيا بنسبة 23 بالمئة، والشرق الأوسط بنسبة 6 بالمئة، وأميركا الجنوبية بنسبة 1 بالمئة المتبقية.
ووفقا للتقرير فقد أعلنت المؤسسة عن عزمها مخاطبة مجلس الأمن لإجراء تعديلات على نظام العقوبات، لكنها لا تريد رفع القيود بالكامل، وهو ما تعمل على إعداده حاليا.
مطالبات مريبة
واعتبر رمزي رجب الآغا رئيس لجنة السيولة بمصرف ليبيا المركزي في البيضاء، أن مطالبات حكومة الوحدة الوطنية الساعية إلى تخفيف العقوبات على المؤسسة الليبية للاستثمار مريبة، ولاسيما في ظل عدم وجود معلومات كافية عن البنود التي ستخفف مما يترتب عليه ضياع أموال المؤسسة في ظل حكومة غير منتخبة وجاءت باتفاق دولي لتيسير أعمال حتى الوصول إلى الانتخابات.
وتابع: “هذه الحكومة لا أثق فيها ولا ندري ما هي غايتها باستثناء غاية واحدة قد تكون نهب هذه الأموال وبيع هذه الأصول لصالح دول معرقلة للاستقرار السياسي والاقتصادي في ليبيا، وهذا التخفيف له عواقب وخيمة على البلاد”.
وبين الآغا، في تصريحات أن من له الحق في هذه إجراء هذه المطالبات هو مجلس النواب في حال رأى له ضرورة بالتنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية بعد دراسته.
ودفع نحو عدم قبول مجلس الأمن لهذه المطالب لأن هذا الموضوع يعتبر له حساسية كبيرة خاصة وأن الحكومة الحالية منبثقة من اتفاق سياسي مؤقت للوصول للانتخابات.
“مجلس الأمن لن يوافق”
من جهته، قال عضو مجلس النواب إدريس المغربي، إن الأموال التي جمدت بقرار من مجلس الأمن كانت بهدف سياسي وليس كما أشيع حماية لها من السرقة، موضحا أن أموال المؤسسة السائلة ضخت في مصارف خاضعة لقوى سياسية في بعض الدول الكبرى، فلدى مصارف بريطانيا أكثر من 30 مليار دولار من الأموال الليبية.
ورأى المغربي في تصريحات أن مجلس الأمن لن يوافق على تخفيف هذه العقوبات متحججا بأن هذه الحكومة غير منتخبة وأن ليبيا غير مستقرة.
وأوضح سليمان الشحومي أستاذ التمويل والاستثمار ومؤسس سوق المال الليبي، أن المطالبات الحكومية المتكررة جاءت نظرا لحاجتها لتوفير مبالغ للاستثمار للداخل بسبب عجز الإيرادات النفطية والميزانية الحكومية، وبالتالي الحكومات تسعى لاستغلال هذه الفوائض الموجودة في المؤسسة خاصة في المجال النفطي.
المسألة سياسية
وكشف الشحومي، في تصريحات عن أن تقييم شركة “ديلويت” حدد قيمة أصول المؤسسة السائلة بنحو 50 بالمئة وهي التي منعت من التصرف فيها، أما باقي الأصول والمتمثلة في امتلاك أسهم في شركات تلك التي حدث بها انخفاض بسبب بعض الممارسات مثل التأميم وعدم استئناف النشاط وبعض المشاكل الفنية، وكذلك الانقسام الذي حدث بالمؤسسة وأثره العميق على بعض هذه الاستثمارات.
وأشار إلى أن تأثير العشر سنوات الماضية كانت مدمرة على هيكل الاقتصاد الليبي والبنية الأساسية له ما يجعل هناك حاجة ملحة للقيام باستثمارات في مختلف المجالات.
وأوضح أن مجلس الأمن مكن المؤسسة الليبية من متابعة الحسابات وإدراة بعض الحسابات لكن التصرف الكامل مازال ممنوعا باعتبار أن ذلك لن ينتهي إلا بوجود حكومة منتخبة، كما يقول مجلس الأمن.
وبين الشحومي أن هذا القرار في يد لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، لأنها تتابع وتراقب دوريا الأوضاع في البلاد وترفع توصياتها إلى المجلس، وإذا رأت أن تستمر الأمور كما هو عليه فلن يتغير شئ وفي حال اقتنعت بالمبررات التي تسوقها الحكومة بضرورة تعديل الضوابط بحيث يسمح بإدارة الاستثمار مثل ربط الأموال النقدية بودائع فسوف يسمح لها بالتصرف في هذا الأمر.
وتابع بالقول إن المسألة السياسية تلقي بظلالها على الاقتصاد الليبي ولكن هناك حكومة وحدة وطنية والعالم قبل بها ويجب عليه إعطائها فرصة للقيام بواجبتها ولكن لأنها موجودة بهدف الوصول إلى الانتخابات ربما تنظر لجنة العقوبات إليها بزاوية أخرى.