بحسب تقرير فإن المرتزقة السوريين الذي شاركوا في معارك سواء في ليبيا أو ناغورني كاراباخ قد تعرضوا لعمليات خداع وسرقة ولم يحصل كثير منهم على أي أموال فيما مات آخرون دون أن تحصل عائلاتهم على ما وعدوا به في حال وفاة أبناءهم.
تعرض مقاتلون سوريون لعمليات استغلال من أطراف دفعت بهم للقتال كمرتزقة في ليبيا وفي إقليم ناغورني كاراباخ، إذ تمت سرقة أجور بعضهم وحرمت عائلات آخرين من تعويضات وعدوا بها في حال إصابتهم أو مقتلهم، وفق ما أفاد تقرير لمنظمتين حقوقيتين.
تركيا وروسيا ولعبة المرتزقة
منظمتا «المركز السوري للعدالة والمساءلة» و»سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» قامتا بعمل دراسة حول مسار «الاستغلال الاقتصادي لتجنيد المرتزقة» السوريين عبر شبكات من السماسرة والمجموعات المسلحة.
ومنذ نهاية عام 2019، أرسلت كل من تركيا وروسيا آلاف المقاتلين السوريين للقتال كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها في ليبيا وناغورني كاراباخ. وسافر هؤلاء مقابل وعود برواتب بالدولار أو تعويضات لعائلاتهم، خصوصاً من الفصائل الموالية لأنقرة، والمتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمال سوريا.
واعتمدت تركيا بشكل رئيسي على مقاتلي الفصائل الموالية لها في شمال وشمال غرب سوريا، لدعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا آنذاك، كما دعمت القوات الأذربيجانية في ناغورني كاراباخ بعدد غير قليل منهم، فيما جنّدت روسيا عناصر سابقة من الجيش السوري وميليشيات تابعة له لدعم المشير خليفة حفتر في ليبيا والقوات الأرمينية في ناغورني كاراباخ.
وبحسب تقارير غير رسمية، يتواجد في ليبيا أكثر من 6630 مرتزقاً، أغلبهم لا يرغبون في العودة إلى سوريا بل يريدون الذهاب إلى أوروبا عبر إيطاليا. وكان «المرصد السوري» قد نشر في 19 مارس/ آذار الماضي، أن أوامر جاءت للمقاتلين السوريين الموالين لأنقرة والمتواجدين في ليبيا بالبدء في الاستعداد للعودة إلى سوريا، وأن هذه الأوامر جاءت من قبل الجانب التركي الذي أرسل «المرتزقة” إلى ليبيا لحماية مصالحه هناك.
سرقة وخداع.. ممارسات شائعة
ويرى المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محّمد العبد الله أن «مشاركة مرتزقة سوريين في القتال في الخارج تؤدي إلى إثراء وتقوية بعض الجماعات المسلحة الأكثر إجراماً في سوريا نفسها، لا سيما الجماعات المدعومة من تركيا في الشمال الغربي». بحسب ما قال في بيان نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وبحسب التقرير فإن «الشكل الرئيسي الذي اتخذه هذا الاستغلال هو السرقة المنهجية للأجور، حيث تعرض المقاتلون الفرديون للاحتيال بانتظام من كبار الشخصيات في الجيش الوطني السوري»، الذي تنضوي فيه الفصائل الموالية لأنقرة. وقد برز هذا الأمر في ليبيا حيث انتشرت سرقة الأجور بعد هدوء جبهات القتال هناك.
ودعا المدير التنفيذي لـ «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» بسام الأحمد المجتمع الدولي إلى «محاسبة الدول والشركات والجماعات المسلحة الأكثر مسؤولية عن تجنيد المرتزقة».
ونقل تقرير المنظمتين عن مقاتل بفرقة السلطان مراد – الموالية لأنقرة – أنه تم الاستيلاء على أجره وأجور رفاقه. وقال: «قضينا ثلاثة أشهر دون أن نتقاضى أجراً، وبعدما طلب كل منا سلفة قدرها 300 دولار، أعطونا مئة دولار واحتفظوا بالباقي».
وفي ناغورني كاراباخ، وثّق التقرير أيضاً «سرقة الأجور» رغم «تدفق التمويل التركي». ونُقل عن سمسار أن تركيا عرضت رواتب شهرية قدرها ثلاثة آلاف دولار وتعويضاً بقيمة 75 ألفاً للعائلات في حال وفاة المقاتل، لكن «الجماعات المسلحة دائماً ما تخرق العروض وتعطي المقاتلين رواتب تتراوح بين 800 و1400 دولار». كما دفعت في أحيان كثيرة الرواتب بالليرة التركية وليس بالدولار الأمريكي.
وسواء في ليبيا أو ناغورني كاراباخ، فقد وثّق التقرير «الاحتيال» على عائلات المجندين عبر «حجب التعويض المالي» عنهم إن كان جزئياً أو كلياً بعد مقتل أبنائهم. ولم يُمنح جرحى المعارك كامل أو أجزاء من تعويضاتهم.
وبحسب التقرير أيضاً فإن روسيا لجأت أيضاً إلى «الخداع» لتجنيد مقاتلين. وكان السماسرة، وبينهم شيوخ قبائل، يعرضون رواتب تتراوح بين ألف وألفي دولار من دون تعويضات في حالة الوفاة. ونقل التقرير عن نقيب في إحدى المجموعات المدعومة من موسكو أن أولئك الذين تم تجنيدهم إلى ليبيا ثم إرسالهم إلى أرمينيا «لم يتم إبلاغهم بالكامل بتفاصيل العملية».
وكون تلك السرقات تُعد مصدراً رئيسياً للمال، «تنافست كل من الجماعات المسلحة على تسجيل أكبر عدد من المقاتلين»، وفق التقرير. ووصل الأمر إلى طرد فصائل سورية لمقاتلين من صفوفها ومن أماكن سكنهم لمجرد رفضهم السفر.
وساهم خفض كل من الأجور والتعويضات في زيادة مستوى «الجريمة»، فقد أوضح «العبدالله» أن «خفض أجر مقاتل يجد نفسه أساساً فوق القانون، يدفعه أكثر نحو السرقة والنهب ومصادرة الملكيات»، متحدثاً عن توثيق «اتجار بالجنس وخطف في ليبيا». بحسب ما قال لوكالة الصحافة الفرنسية
حيل من أجل العودة لسوريا
وبحسب تقارير لمنظمات حقوقية ومنها المرصد السوري فإن عمليات عودة المرتزقة السوريين متوقفة، سواء للمرتزقة الموالين لتركيا، أو من جندتهم شركة «فاغنر الروسية» وأرسلتهم إلى ليبيا.
ويقول رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان إن ملف المرتزقة السوريين المتواجدين في ليبيا لايزال معلقاً إن لم يكن منسياً، فعودتهم لاتزال متوقفة بشكل كامل، وهو ما يثير استياءا عاماً حتى في أوساط المرتزقة الذين جندتهم المخابرات التركية أنفسهم.
ويضيف عبد الرحمن في بيان المرصد أن هؤلاء يريدون الخروج من ليبيا، فمنهم من يريد التوجه إلى أوروبا ومنهم من يريد العودة إلى سوريا، لكن المؤكد أن جميعهم يريدون الحصول على أموالهم التي وعُدوا بها، كما أن الأمر نفسه ينطبق على المرتزقة السوريين الذين جندتهم شركة فاغنر الروسية، لخدمة المصالح الروسية في ليبيا.
وأكد عبد الرحمن أن دول أوروبا لا يوجد لها أي دور في مسألة إعادة تأهليهم بل إنها لا ترغب مطلقاً في دخولهم أراضيها ولا توجد أي برامج مخططة في هذا السياق، «إذ أن الخشية متصاعدة منهم نظراً لطبيعة عملهم كمرتزقة وخوفاً مما يمكن أن يفعلوه مستقبلاً كالانضمام إلى جماعات متطرفة، وتتزايد الخشية من احتمال اندساس عناصر لداعش بينهم ليدخلوا أوروبا وينفذوا فيها عمليات إرهابية»، بحسب ما قال لــ DW عربية في اتصال هاتفي.
ولا يوجد اعتراف رسمي من قبل الحكومة التركية بهؤلاء المرتزقة السوريين، بحسب عبد الرحمن، الذي أضاف أن هذا يحدث «على الرغم من أن الرئيس التركي هو الوحيد الذي استفاد منهم من أجل تحقيق انتصارات في ناغورني كاراباخ، إذ أصبح اليوم سيد أذربيجان بعد دعمه لها عسكرياً أمام أرمينيا، وأيضاً استفاد من وجودهم في ليبيا، بل وربما استغلهم كورقة ضغط للتقارب مع مصر التي كانت تخشى من تسرب هؤلاء إلى أراضيها، والمؤسف أن قتلى المرتزقة لا قيمة لهم فهم يقتلون ويدفنون ولا يعلم بهم أحد».
مصادر المرصد السوري رصدت بدورها عودة أعداد قليلة من المرتزقة إلى سوريا بعد إبراز تقارير طبية وتزوير بعضها عبر دفع الرشاوى إلى قادة الفصائل الموالية لتركيا، فيما أكدت مصادر أخرى للمرصد السوري، أن مقاتلين من الفصائل الموالية لتركيا والمتواجدين في ليبيا، يعمدون إلى دفع رشوة للأطباء بغية تزوير تقارير طبية تمكنهم من العودة إلى سوريا.
ياتي ذلك في ظل استياء كبير في أوساط «المرتزقة” الموالين لتركيا في ليبيا مع استمرار توقف عودتهم إلى سوريا منذ 25 مارس/ آذار.
ويؤكد المرصد السوري أن عودة المرتزقة السوريين الموالين لروسيا، ممن جندتهم شركة «فاغنر الروسية” وأرسلتهم إلى ليبيا، لاتزال هي الأخرى متوقفة، وأن ما يحدث هو عمليات تبديل حيث تعود دفعة إلى سوريا فيما تخرج دفعة أخرى في المقابل، ومهمة هؤلاء المرتزقة حماية وحراسة المناطق النفطية في ليبيا.