رغم التفاؤل الذي تبديه روسيا بخصوص المفاوضات الجارية في فيينا من أجل الاتفاق النووي، إلا أن ثمة عقبات عديدة تتكشف وهناك قضايا «معقدة للغاية» تعوق التوصل إلى اتفاق نهائي وتام، ومن بينها المطالبات بـ»عدول إيران عن انتهاكاتها المتعددة لبنود الاتفاق وتخصيبها لليورانيوم بأجهزة طرد مركزي متقدمة وإنتاجها لمعدن اليورانيوم»، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.
في نهاية مايو، قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إن مفاوضات فيينا «تراوح مكانها»، على خلفية وجود خلافات جمة في جملة قضايا رئيسية، مشيراً إلى أنه «لا يجب أن نتسرع في محادثات فيينا، وهناك قضايا خلافية رئيسية باقية».
وشدد الدبلوماسي الإيراني على ضرورة «رفع جميع العقوبات الأميركية، ويجب إجراء التحقق في الصيغ التي تمت مناقشتها في فيينا، وبعد ذلك ستقوم إيران بإلغاء إجراءاتها التعويضية».
كما تحدث عن احتمالات إجراء جولة سادسة للمفاوضات، وقال: «لقد أعلنت إيران موقفها من قبل. إننا نتقدم بالمفاوضات بالدقة اللازمة. أي جولة من المفاوضات كان من الممكن أن تكون الأخيرة. إن تم حل القضايا الأساسية المتبقية فمن الممكن أن تكون الجولة القادمة هي الأخيرة، ودون ذلك ستتواصل المفاوضات. مفاوضات فيينا حققت تقدماً جيداً ولافتاً في إطار فرق العمل الثلاثة إلا أن قضايا أساسية مازالت متبقية».
وبينما قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الأسبوع الماضي، إن موسكو «لا تتوقع حدوث عقبات لا يمكن التغلب عليها في طريق استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإن رئيس الوفد الإيراني المفاوض في فيينا عباس عراقجي أكد أنه «من المبكر الإعلان عن اتفاق»، وقد وصف المفاوضات بأنها «معقدة للغاية»، لافتاً إلى أن الجولات الحالية من المباحثات إنما «تركز حالياً على أبرز القضايا الخلافية».
ولفت عراقجي إلى أنه «غير واثق من إمكانية الانتهاء من المفاوضات في هذه الجولة (الخامسة)، حيث إن هناك حاجة للعودة لمزيد من المشاورات».
وكشفت وكالة «تنسيم» الإيرانية بأن المفاوضات النووية في فيينا «أبعد عما يكون اتفاقاً مناسباً وجيداً للشعب الإيراني»، وتابعت: «لو أرادت الحكومة (الإيرانية) مواصلة المفاوضات الحالية وتقديم اتفاق للشعب الإيراني باسم الاتفاق النووي، فمن المؤكد لن يكون اتفاقاً جيداً»، وألمحت الوكالة التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى أنه «يبدو أن تياراً سياسياً متخصصاً في الصفقات السيئة ينوي طرح صفقة سيئة أخرى على طاولة الخلافات السياسية في إيران بأي طريقة ممكنة».
مطلع يونيو، انتهت الجولة الخامسة من المحادثات النووية بدون اتفاق واضح، إذ كان من المفترض أن تكون الجولة الأخيرة، بينما أشارت مصادر دبلوماسية بأنه من المتوقع إجراء جولة سادسة خلال الأسبوع الحالي.
بيد أن الناطق الرسمي بلسان الحكومة الإيرانية علي ربيعي نفى بدوره، حدوث تعثر المفاوضات مع القوى العالمية، وقال: «إيران تعتقد أن العراقيل التي تقف في سبيل ذلك الهدف معقدة لكنها لا تستعصي على الحل».
وتابع: «لا يوجد مأزق في محادثات فيينا، إذ إن المفاوضات بلغت مرحلة يتعين فيها البت في بضع قضايا أساسية، تستلزم الاهتمام الملائم والوقت».
وتتزامن الجولة السادسة من المحادثات النووية مع اجتماع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال الأسبوع الجاري، لمناقشة التقريرين اللذين رفعهما، مدير الوكالة، رفايل غروسي، نهاية الشهر الماضي، بخصوص أسباب وجود آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع نووية إيرانية.
إذ أفاد التقرير الربع سنوي للوكالة الدولية بأن «مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بات يتجاوز بـ16 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه عام 2015، وقد صرح غروسي بأنه «قلق لعدم توصل المحادثات التقنية بين الوكالة وإيران إلى النتائج المرجوة».
وأردف: «بعد أشهر عديدة، لم تقدم إيران التفسير اللازم لوجود جزيئات المواد النووية في أي من المواقع الثلاثة التي أجرت الوكالة فيها عمليات تفتيش تكميلية».
وعقب السفير الإيراني في فيينا كاظم غريب آبادي، على التقريرين الصادرين من الوكالة الدولية بأن «الاتفاق التقني مع الوكالة الذي انتهى في 24 مايو، ولم يتم تمديده ولكن إيران وافقت على أن تكمل عمليات التسجيل لشهر إضافي».
وفي تقدير الباحث الإيراني، مهيم سرخوس، فمن المؤكد أن الوفد الإيراني المفاوض في مباحثات فيينا لا يمتلك الكثير من الصلاحيات التي تؤهله لاستكمال النقاط الفنية حول الملف النووي الإيراني، وذلك لجملة اعتبارات أهمها «الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها خلال منتصف يونيو، والتي سوف تؤثر بنتائجها على مسار المفاوضات والملف النووي».
ويردف سرخوس: «يمكن القول هنا إن هذا التغير في إيران بعد وصول رئيس من التيار الأصولي، لا يعني العدول عن الشروع في استكمال البرنامج النووي الإيراني؛ إذ إن هذا البرنامج يرتبط بصورة أساسية بتطور الدولة الإيرانية، ولكن يمكن الحديث هنا كذلك عن أن التغير في التيار الحاكم سيلقي بظلاله على مسارات وحدود التجاوب الإيراني مع المطالب الأميركية، وهو الأمر الذي سوف يساهم في تعقيد المفاوضات وتشابكها في ظل تعدد المطالب الأمريكية لتشمل قضايا أخرى بجانب الاتفاق النووي».
وفي كل الأحوال، فإن «الطرف الأميركي والطرف الإيراني في حاجة إلى استكمال هذه المفاوضات، وإبداء حسن النوايا، لتجاوز سياسات التصعيد المتبادلة التي قد تؤدي إلى تهديد الاستقرار الإقليمي والدولي». يقول سرخوس.
وإلى ذلك، شدد المرشد الإيراني، علي خامنئي، مؤخرا، على ضرورة أن تكشف القوى الدولية عن «أفعال وليس مجرد وعود»، وقال: «أبلغت مفاوضينا أن المطلوب أفعال لا وعود لاستئناف العمل بالاتفاق النووي».
كما ألمح مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى أن الجولة السادسة سوف تكون الأخيرة.
وبحسب بيان صادر عن المجموعة الممثلة لدبلوماسيي الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، فقد «واصلنا تحقيق تقدم واتضحت الآن أجزاء مهمة من الاتفاق المقبل لكن القرارات الأصعب قادمة. عملنا بالطبع وفقاً لمبدأ عدم الموافقة على شيء لحين الاتفاق على كل شيء، كما ندرك جميعا أن الوقت ليس في صالح أحد. وقت اتخاذ القرارات الحاسمة يقترب. سنعاود الاجتماع الأسبوع المقبل».
من جانبه، اعتبر عراقجي أنه «من الطبيعي مواصلة المفاوضات لغاية تحقيق مواقف النظام».
وتابع: «الكثير من الوفود كانت تأمل بأن تكون هذه الجولة من المفاوضات هي الجولة الأخيرة. مثلما قلت سابقا فقد توقعت بأننا ما زلنا لم نصل إلى حصيلة نهائية للتوافق. هنالك مسافة تفصلنا لكننا بطبيعة الحال لسنا بعيدين».
وأضاف المفاوض الإيراني «مواقفنا هي مواقف البلاد الحاسمة وما زالت قائمة. نحن لم نغير مواقفنا. إن المهم هو الإجراءات التنفيذية لعودة أميركا إلى الاتفاق النووي وتنفيذ التزاماتها وكيفية التحقق من ذلك ومن ثم عودة إيران إلى التزاماتها في الاتفاق النووي».