الرئيسيةمنوعات عالمية"أم أنجلو".. ملكة " قرية تونس" التي ألهمت المصريين

“أم أنجلو”.. ملكة ” قرية تونس” التي ألهمت المصريين

مشهد حزين في ظاهره، لكنه رغم الموت يضج بالخلود والمحبة والعرفان، هذا ما يلخصه وداع أهالي قرية تونس في مصر، للفنانة السويسرية الراحلة إيفلين بوريه التي رحلت عن عالمنا، الاثنين، عن عمر يناهز 83 عامًا.

وارتبط اسم إيفلين بوريه بقرية تونس التي تقع بمحافظة الفيوم جنوبي القاهرة؛ حيث شيدت بيتها الريفي، وأنشأت مدرستها لتعليم فن صناعة الخزف.

وتحولت القرية على يديها من مكان نائي ومهمل، إلى نقطة نور تشع بالفنون والجمال، يقصدها السياح من مختلف بقاع الأرض.

أم أنجلو

تحدث إلى ابن إيفلين “أنجلو”، وهو الاسم الذي اعتاد أهل القرية أن ينادوا إيفلين به “أم أنجلو”؛ إذ يحكي الابن قصة والدته مع مصر، وكيف تحولت من مواطنة سويسرية إلى أحد أبناء قرية ريفية على أرض الكنانة.

يقول المهندس أنجلو (45 عامًا) إن والدته جاءت إلى مصر للمرة الأولى بصحبة والدها في بداية ستينيات القرن الماضي؛ حيث استقرت معه في القاهرة لمدة أربع سنوات لظروف عمله، وفي عام 1964 كانت زيارتها الأولى إلى قرية تونس، وقامت ببناء بيتها في هذا التوقيت.

وتزوجت “أم أنجلو” من الشاعر المصري الراحل سيد حجاب في التوقيت الذي جاءت فيه إلى قرية تونس، واستمرت الزيجة لنحو 5 سنوات، لكنها لم تنفصل عن مصر بعد انتهاء العلاقة، واستمرت علاقتها بالقرية، لكنها لم تستقر بها بشكل نهائي.

يوضح أنجلو أن والدته سافرت إلى سويسرا أثناء النكسة عام 1967 نظرًا لأنها لم تحمل الإقامة في هذه الظروف، وظلت تتنقل في هذه الفترة حتى عادت إلى مصر بصحبة زوجها ميشيل باستوري، كان أنجلو حينها لديه من العمر عامين.

ومنذ عام 1976 استقرت إيفلين بوريه في مصر، بدأت رحلتها مع تغيير هذه القرية الصغيرة على أطراف الصحراء، ويقول ابن الفنانة والسويسرية: “من هذا التاريخ استقرت أسرتنا وأصبحنا من أبناء القرية تمامًا، ليس هناك أي حاجز.. فهذه بلدتنا التي تربينا فيها أنا وأختي”.

ويتابع أنجلو: “أتذكر شكل القرية قديمًا؛ كانت صغيرة جدًا، إذ لم يتجاوز عدد البيوت بها 25 بيتًا، كل منها مكون من دور واحد فقط، ولم يكن هناك أي نوع من الفنون، وبسبب اتقان والدتي لفن صناعة الفخار.. قررت إنشاء ورشة الفخار”.

بحسب الابن كانت إيفلين ترى أن أطفال الريف أكثر قدرة على تشكيل الطين من أطفال المدينة، وكذلك لديهم مهارة خاصة في التعامل مع النار لذلك قررت تعليم أطفال القرية صناعة الفخار، حيث درست إيفلين الفنون التطبيقية في سويسرا، وتعلمت هذه الصناعة في عمر الخامسة عشر، وظلت تعمل حتى اليوم الأخير في حياتها.

واستقر أنجلو في قرية تونس منذ عامين بعد أن كان يعيش في القاهرة، وأصبح مسؤولًا عن المدرسة التي أنشأتها والدته إيفلين، التي يقول عنها إنها ظلت تعمل حتى آخر ساعتين في حياتها، إذ أنها لم تكن تعاني أي متاعب صحية، فبعد أن أنهت عملها عصر الثلاثاء، قررت الخلود للراحة، فكانت الوفاة مفاجأة وهادئة في نفس الوقت.

والدة الجميع

حسين سعداوي (34 عامًا) أحد العاملين مع الراحلة إيفلين وهو المسؤول عن المدرسة بعد نجلها أنجلو، يقول إن “أم أنجلو” كانت بمثابة الأم لجميع أبناء القرية وتلامذتها على وجه الخصوص، فهو يعمل معها منذ 24 عامًا تقريبًا.

وفي حديثه يتذكر سعداوي بدايات معرفته بالسيدة إيفلين؛ حيث بدأت وهو في عمر العاشرة عندما التحق بتدريب صيفي معها لتعلم صناعة الفخار، ومن يومها لم ينقطع عن العمل معها، يقول: “كانت تعامل مع الجميع بحب وعطاء لا مثيل له”.

ويقول حسين بتأثر إنه لا ينسى لها العديد من المواقف الإنسانية النبيلة لكن أهمها على الإطلاق عندما سافر معها إلى فرنسا لحضور أحد المعارض، حيث كانت تهتم بكل صغيرة وكبيرة تخص تفاصيل يومه هناك من مأكل ومشرب وراحة،

وتابع: “كانت تتعامل بحب غريب أكثر من أم”.

وبحسب الشاب المصري، فالمدرسة التي أنشأتها إيفلين قامت بتعليم أربع أجيال، والجيل الخامس (32 طالب وطالبة) لا زال في مرحلة التدريب؛ حيث تقوم في شهور الصيف بتدريب الأطفال من عمر 8 حتى 10سنوات، وبعد ذلك تقوم باختيار الأكثر مهارة منهم للعمل معها.

وعن اهتمامها بالفتيات يقول سعداوي: “كانت أم أنجلو تشجع البنات تحديدًا على العمل، وتهتم بتدريبهم، كانت ترى أن الإناث في الريف يعانين من بعض الظلم، لذلك كانت تخصهم بدرجة أكبر من الاهتمام”.

حضور اجتماعي

المصور الفوتوغرافي والفنان التشكيلي خالد الداش، أحد الفنانين الذين شيدوا منازل لهم في قرية تونس، كان مقربًا إلى الفنانة إيفلين بوريه، ويقول عنها إنها كانت قريبة جدًا لأهالي القرية، إذ كانت تحضر جميع مناسباتهم الاجتماعية من أفراح ومآتم.

ويضيف الداش أن إيفلين كانت تتجنب الحديث في الدين والسياسة، “كان لديها قدرة كبيرة على التواصل مع الأهالي وفقًا لثقافتهم وأعرافهم”.

ويقول الداش إنها كانت حريصة دائما على إظهار صورة صُناع الفخار الصغار، ويتذكر أثناء مهرجان الفخار، كانت مهتمة جدًا على إظهار صور الأطفال، كانت تقول بالعامية المصرية: “عايزة صور الأولاد دول تغزو العالم كله”.

وعن لحظات الوداع الأخيرة يلفت الفنان المصري إلى أن هذا الموقف كان مهيبًا للغاية، فبرغم أن إيفلين تدين بالمسيحية إلا أن أغلب المشيعين كانوا من المسلمين من أبناء القرية ومحبيها، حتى بعد دفنها استدار المسلمون نحو القبلة وقاموا بقراءة الفاتحة والدعاء لها.

وبتأثر يختم الفنان خالد الداش حديثه: “دُفنت إيفلين عند آخر نقطة يوجد بها خضرة على حدود الصحراء، في رمزية تمثل أنها ستبقى امتداد للحضارة والمحبة والفن التي صنعتها في قرية تونس”.

 

Most Popular

Recent Comments