تسعى أوروبا في إطار استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب والتي أقرها الاتحاد الأوروبي نهاية 2020، لفرض قيود على كافة المؤسسات التي تتبع المنظمات ذات النشاط المتطرف بالبلاد، وفي مقدمتها المدارس الإخوانية التي تزايدت خلال السنوات الماضية، وباتت تمثل أحد منابر نشر الفكر المتطرف، وفق دراستين صدرت أحدهما عن المركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، والأخرى عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وحذرت الدراسة المصرية التي تحمل عنوان «ذراع التطرف: دلالات انتشار مدارس الإخوان في أوروبا»، من التزايد غير المسبوق لأعداد المدارس الإخوانية في أوروبا خلال العقدين الماضيين، خاصة في إسبانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا، مستغلة مساحة الحرية الممنوحة للمؤسسات الاجتماعية، من جانب تنظيم الإخوان، والتسلل باستغلال الشعارات الدينية لدى الجاليات الإسلامية لتجنيد أكبر عدد من الأعضاء داخل التنظيم.
1000 مدرسة إخوانية
وذكرت الدراسة أنه يوجد أكثر من 1000 مدرسة إخوانية في 100 دولة حول العالم أغلبها في أوروبا، كما أوضحت أنه من النادر، «ما تم اتهام المنظمات التعليمية لجماعة لإخوان بقضايا إرهابية بشكل مباشر في أوروبا، بينما لا يمكن تغافل مساهمتها في تعليم المتطرفين العنف، لذا لا يبدو نبذ مدارس الإخوان للعنف في أوروبا حقيقيا، فجماعة الإخوان وخاصة الأعضاء الأوروبيين منهم يؤيدون العمليات الإرهابية في الشرق الأوسط، بينما يدينون أعمال العنف في الغرب، مما يؤكد تبني جماعة الإخوان لأعمال عنف في الغرب إذا ما سنحت لهم الفرصة».
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ومدير موقع صوت الضفتين بباريس، نزار الجليدي، أن المدارس الإخوانية المنتشرة في أوروبا هي نتاج لتساهل بعض الأنظمة الغربية مع نشاط وتحركات جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية، من جانب عدة دول، مشيرا إلى أن سياسة اليسار الفرنسي الذي حكم البلاد في التسعينيات، اتسمت بالتساهل وسمحت بتواجد عدد كبير من تلك المدارس، التي تمثل بؤرا لنشر الفكر المتطرف خاصة في الضواحي الفرنسية ذات الكثافة السكانية للجاليات المسلمة.
ويقول الجليدي إن معظم الجمعيات التي تم تأسيسها في البلاد في الفترة من 1990 إلى 2005، تعمل تحت غطاء ثقافي وإنساني لكنها في حقيقة الأمر تلعب دورا محوريا في نشر الإرهاب والتطرف داخل البلاد، وتجنيد أجيال جديدة للانضمام لجماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
وأشار إلى أن تلك المنظمات سواء الجمعيات أو المدارس، استغلت الظروف الاجتماعية والثقافية لسكان بعض الضواحي خاصة الجاليات المسلمة، ولعبت على المتناقضات لنشر الفكر المتطرف والتكفيري لدى أبنائها، وأصبحت حلقات لتعليم قيم العنصرية والتطرف الديني، لافتا إلى عملية غسيل الأموال والتمويلات الضخمة التي تتلقاها تلك المؤسسات، والتي سمحت لها بتكوين شبكات ضخمة من المؤيدين، وجعلتها بؤرة لتجنيد الأعضاء في التنظيمات الإرهابية خارج البلاد.
وبيّن أن أوروبا شرعت بالفعل في استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف القائم على أساس ديني، وبدأت بفرض الرقابة على المؤسسات التابعة للإخوان وخصوصا المدارس، كما أغلقت عدة عواصم جمعيات ومؤسسات دعوية تتبع التنظيم كما هو الحال العاصمة النمساوية فيينا.
الذئاب المنفردة.. نتاج مدارس التطرف
وأوضح الجليدي أن ظاهرة «الذئاب المنفردة التي انتشرت بأوروبا خلال السنوات الماضية، ونفذت عمليات إرهابية لصالح تنظيم داعش الإرهابي، بعد مبايعته عبر الإنترنت لم تكن سوى نتاجا لهذه البؤر».
وتابع قائلا: «أوروبا أدركت هذه المخاطر مؤخرا، لكنها شرعت بإجراءات حاسمة لمواجهتها، تشمل إغلاق المؤسسات المتورطة بنشر التطرف أو دعمه، ومراقبة التدفقات المالية للمؤسسات المشبوهة في البلاد، وكذلك مراقبة الائمة والمعلمين في المدارس الإسلامية، لوقف عمليات ’غسيل الدماغ‘ والتجنيد التي تحدث بشكل ممنهج على مدار السنوات الماضية».
ويتوقع الجليدي أن تثمر نتائج الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرهاب، إلى القضاء على هذه المؤسسات نهائيا، وفرض قيود محكمة على كافة الجمعيات التي تستغل الشعارات الدينية.