تقييمات إيجابية صدرت عن المفاوضين في محادثات فيينا بختام الجولة الرابعة من المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي، والذين اعتبروا أن هناك “تقدماً جيداً” على رغم “العراقيل” الموجودة حالياً، وفي الوقت الذي طالبت فيه الولايات المتحدة الأميركية بـ “ضمانات” لاستكمال المحادثات التي تنتظر جولة “خامسة” حاسمة.
وقد تكون الجولة الخامسة المنتظرة هي الأخيرة، طبقاً لتصريحات الممثل الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، والذي توقع أن تصل المفاوضات إلى نتيجة في أوائل شهر يونيو المقبل.
ذلك في الوقت الذي أعلن فيه المدير السياسي للاتحاد الأوروبي إنريك مورا (الذي يدير المحادثات)، الأربعاء، عن تحقيق تقدم وصفه بـ “الكبير” بنهاية الجولة الرابعة التي اختتمت أعمالها يوم 19 مايو الجاري، لكنّه تحدث في الوقت نفسه عن “أمور عالقة” يتعين العمل عليها. وقال إن الجميع ملتزمون بالتوصل لاتفاق.
وبينما حملت تصريحات مورا قدراً كبيراً من التفاؤل بخصوص التوصل لاتفاق قريب (قبل الانتخابات الإيرانية)، فإنه حدد “الأمور العالقة” في عدة محاور رئيسية؛ أولها مسألة العقوبات المفروضة على إيران (في الوقت الذي تشترط فيه طهران رفع العقوبات من أجل العودة للاتفاق)، فضلاً عن مسألة التزامات إيران. وجميعها أمور قال إن النقاش لا يزال جارياً بشأنها.
ووصف رئيس الوفد الإيراني عباس عراقجي، الموضوعات العالقة بأنها “موضوعات حساسة” لا تزال محل اختلاف في محادثات فيينا.
إحياء الاتفاق
“من المؤكد أن إيران سوف تقدم خلال أي اتفاق جديد، أو إعادة صياغة للاتفاق المبرم عام 2015، تنازلات في بعض الملفات المطروحة بالأساس للنقاش والتفاوض على الطاولة؛ إذ أن الهدف من عملية التفاوض هو بالنهاية التعامل مع ملفات بعينها تتعلق بأنشطة وتحركات بإيران”، هذا ما يؤكده الباحث في الشأن الإيراني علي عاطف.
ويحدد عاطف في تصريحات خاصة” ثلاثة ملفات رئيسية قد تشملها تلك التنازلات؛ وهي: (الأنشطة النووية لطهران، وملفها الصاروخي، إلى جانب تحركاتها العسكرية في المنطقة ودعمها لوكلائها بالمنطقة)، معتبراً أن “أي تنازل من جانب إيران سوف يتمحور بالأساس حول هذه الملفات الثلاثة”.
ويشير إلى أنه “على سبيل المثال، سيؤكد الاتفاق الجديد على ضرورة الحد من الأنشطة النووية الإيرانية بعد إعلان طهران مؤخراً رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى60 بالمئة، والكشف أيضاً في الوقت نفسه عن مواقع سرية للقيام بهذه العمليات الذرية”.
وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس، عن استمرار مفاوضاتها مع إيران، الهادفة إلى تمديد اتفاق مراقبة المواقع النووية لثلاثة أشهر.
أما الملف الصاروخي، فقد كان شاغلاً مشتركاً لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن، ذلك أنهما أكدا ضرورة معالجة هذه القضية، والتي عادت بقوة للواجهة بعد حادث سقوط صاروخ من طراز “سام 5” بالقرب من مفاعل ديمونة الإسرائيلي النووي. وقد أكدت إدارة الرئيس بايدن من جانب آخر على ضرورة التطرق لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة حال التوصل لاتفاق من جديد.
يعني كل هذا -بحسب الباحث في الشؤون الإيرانية- أن التنازلات الإيرانية في الاتفاق الجديد أو المعاد صياغته ستكون حتمية، وإلا لن يكون للاتفاق معنى، وإيران من جانبها ستقدم على هذه الخطوات “في ظل الأوضاع الاقتصادية بها بعد سنوات من حزم العقوبات المتتالية”.
وبالتزامن مع المفاوضات النووية، تشهد إيران في 18 يونيو المقبل انتخابات رئاسية. ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية: “لا يرغب المتشددون، الأكثر نفوذاً داخل منظومة السلطة بإيران، في أن تحقق حكومة حسن روحاني الإصلاحية تقدماً في هذه المفاوضات من أجل ألا تكتسب زخماً في الانتخابات وتزيد من فرص رئيس إصلاحي بالفوز في هذه الانتخابات”.
إلا أن الموعد النهائي الذي وضعته إيران بنهاية مايو الجاري لتحقيق تقدم في المفاوضات سيكون أحد الدوافع للمضي قدماً بها، كما أن مخاوف من إمكان عرقلة المفاوضات إذا ما نجح رئيس متشدد في انتخابات إيران سيكون دافعاً آخر خلال الأيام المقبلة لمحاولة تحقيق تقدم ملموس، وفق عاطف.
ويختتم الباحث بالشؤون الإيرانية حديثه بقوله: “من المحتمل أن تشهد الأيام المقبلة التي تسبق انتخابات الرئاسة الإيرانية تكثيفاً مستمراً للمفاوضات لتحقيق هذا التقدم المُشار إليه”.
وانطلقت محادثات فيينا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي، بين إيران ومجموعة 4+1 (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) ضمن اللجنة المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وتستهدف المحادثات إحياء الاتفاق وعودة واشنطن وطهران لالتزاماتهما. وبدأت الجولة الرابعة من المحادثات يوم الجمعة الماضي، وهي الجولة الأطول ضمن جولات المحادثات.
سقف المطالب
وأشار الباحث في الشأن الإيراني، محمد علاء الدين، في تصريحات خاصة إلى قيام طهران برفع سقف مطالبها، لافتاً إلى مطالبتها بشكل صريح بـ “تعويض خسائرها” عن فترة العقوبات الأميركية، موضحاً أن إيران “قد تراوغ في بعض الملفات المتعلقة بالإرهاب وحقوق الإنسان”.
والخميس، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن “جميع الأطراف متفقة على رفع العقوبات الرئيسية عن النفط والبتروكيماويات والشحن والتأمين والبنك المركزي”، مشيراً إلى أن الخطوات الرئيسية تم إنجازها -في محادثات فيينا- وتم التوصل للاتفاق الرئيسي، بينما لم تتبق سوى مفاوضات على “التفاصيل”.
ويقول علاء الدين إن “الطرفين الأميركي والإيراني أصبح لديهما الرغبة الكاملة في العودة إلى الاتفاق النووي؛ فالولايات المتحدة الأميركية ممثلة في إدارة بايدن قدمت تنازلات لم تكن تحلم بها إيران في عهد الرئيس السابق ترامب، بينما في المقابل يحاول الطرف الإيراني رفع سقف مطالبه لتعويض خسائره من العقوبات الأميركية”.
وعلى رغم رفع إيران سقف المطالبة، فإن الباحث في الشأن الإيراني يتوقع بأن يتوصل الطرفان في النهاية إلى حل “حتى وإن طال أمد المفاوضات”.
ويتساءل: “الذي نحتاج أن نتحدث عنه الآن هو الضمانات التي تمنع إيران مستقبلًا من تخصيب اليورانيوم، خاصة وأن أجهزة الاستخبارات الأوروبية رصدت بذل إيران محاولات متعددة في العام 2020 للحصول تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل، ما يعني أن الطرف الإيراني عازم على امتلاك السلاح النووي وسيلجأ إلى طرق ملتوية أخرى.. وهم أساتذة في المراوغة”.
ويتابع: “من بين الأسئلة أيضاً: ما الضمانات التي تمنع إيران من التخلي عن مشروعها التوسعي؟ كما أن السيطرة الإيرانية في سوريا والعراق.. ما الموقف منها؟”. ويختم علاء الدين تصريحاته بقوله: “قد يكون الاتفاق النووي حبراً على ورق في ظل إدارة بايدن”.