خطة أمنية دقيقة وعالية المستوى وإجراءات حماية مشددة، يحظى بها المتحف القومي للحضارة بمنطقة الفسطاط، وسط القاهرة، الذي نُقلت إليه المومياوات الملكية الـ22 من ملوك وملكات مصر القدماء، في حدث تاريخي لفت أنظار العالم قبل أيام.
وجرى تصميم المتحف لعرض الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ حتى اليوم، وجاءت خطط تأمينه والنظم التقنية المتبعة لتنفيذها وفق أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة.
وقال مصدر مسؤول بمتحف الحضارة في تصريحات خاصة إن المتحف يخضع لنظام أمني متكامل يقوم على عدة درجات.
وأوضح المصدر أنه روعي في تصميم المتحف الجانب التأميني الذي يتيح للمواطنين والسياح والباحثين حرية الاستمتاع والتعرف على تاريخ أقدم حضارة إنسانية عبر بانورامات وصالات العرض، لكن دون السماح بالإضرار بها أو محاولة ذلك.
ولفت المصدر إلى أنه بالإضافة لإجراءات تأمين مبنى المتحف بالكامل وصالات العرض، هناك تأمين لكل قطعة أثرية على حده باستخدام منظومات أمنية مُتطورة، وفتارين (واجهات) زجاجية قوية غير قابلة للكسر.
وشهدت الأيام الأولى لاستقبال زائري المتحف بعد الاحتفال بنقل المومياوات الملكية إليه، إقبالا كبيراً من المواطنين المصريين والسائحين، فيما سيتم إتاحة قاعة المومياوات للزيارة بدء من 18 أبريل الجاري الذي يوافق يوم التراث العالمي.
تأمين المومياوات
وأضاف المسؤول المصري أن المومياوات الملكية تحظى بأعلى مستويات التأمين داخل متحف الحضارة، من اختيار منطقة العرض الخاصة بها بحيث تكون منعزلة تماما، ولا يوجد لها سوى مدخل واحد ومخرج واحد فقط لإحكام السيطرة الأمنية.
وبعيدا عن مناطق عرض الآثار والمومياوات، يكشف المصدر أنه يتواجد أسفل المتحف مكانين أحدهما للترميم، والآخر للتخزين، ومزودين بتقنيات حماية ووسائل تأمين يستحيل التغلب عليها، إذ من الممكن ألا يتم عرض الـ22 مومياء في وقت واحد، وقد يكون هناك أوقات يخضع فيها بعض المومياوات للتخزين.
وأكمل قائلا إن هناك أيضا خزائن لحفظ الآثار أسفل المتحف ليست معروضة للجمهور، ويستحيل فتحها من الخارج دون إدخال أرقام سرية معقدة.
أجهزة رصد وإنذار
ويشير المصدر إلى أن النظام الأمني المطور والمطبّق في متحف الحضارة يعتمد بشكل كبير على نظم التأمين التكنولوجية الخاصة بالمتاحف، وتمت الاستعانة فيه بمعدات من خارج مصر، مثل كاميرات ذات إمكانيات خاصة، وأجهزة إنذار فائقة الدقة وعالية المستوى.
ويتابع قائلا إن تلك التقنيات تتضمن رصد أي حركة غير طبيعية في المتحف، مثل محاولة أي شخص تحريك قطعة أثرية أو المساس بفاترينة عرض، وفي هذه الحالة يتم تحديد مكانه بشكل فوري، وإخطار غرفة العمليات الخاصة بإدارة المتحف إلكترونيا لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وكذلك يتم التعامل حال وجود خطأ، مثل تواجد شخص في مكان محظور التواجد به أو مخالف للتعليمات الأمنية، ويتم ذلك عبر إجراءات إلكترونية وتدخل بشري بدرجة كبيرة.
القاعة الملكية
ويوضح المصدر أن التجهيزات الأمنية لـ”المومياوات الملكية” حازت على قدر كبير من اهتمام مسئولي متحف الحضارة، لأنها تُعتبر أثمن ما هو معروض بداخله، مطمئناً المصريين والعالم على آثار وحضارة مصر التي يحتضنها المتحف.
وأضاف المصدر أن الدولة المصرية حريصة على تطبيق أنظمة أمنية متطورة في كافة المتاحف المصرية عبر الدمج بين أحدث الإمكانيات التكنولوجية بالعالم، والنمط العمراني الإنشائي المُطور، لتصل إلى مستويات تأمينية قلما تتواجد في منطقة الشرق الأوسط.
ويؤكد المسؤول المصري أن الإجراءات التأمينية الحديثة المطبقة في المتحف القومي للحضارة سيُطبق مثلها وبإمكانيات أكبر في المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه هذا العام 2021.
رؤية أمنية وعمرانية
ويقول اللواء محمد مختار قنديل، الخبير في شئون التنمية العمرانية، إن المنظومة الأمنية المُطورة للمتحف القومي للحضارة هي نتاج مجهود كبير بُذل من الأجهزة المختصة، وتتميز برؤية أمنية وعمرانية سليمة في المجالين.
ويوضح قنديل، الذي تولي سابقا رئاسة عدد من أجهزة التعمير في الحكومة المصرية، بينها جهاز تعمير سيناء ومدن القناة، وجهاز تعمير الساحل الشمالي الغربي، في حديث أن أجهزة الدولة تطبق في مشروعاتها الحالية أحدث المعايير العالمية و وبشكل علمي مُخطط، وهو ما طبقته في تنفيذ الطرق والكباري والمصانع الجديدة.
ويلفت الخبير العمراني إلى أن سرقة الآثار أصبحت حدثا نسمع عنه كل فترة في منطقة مختلفة من العالم، وكان من الضروري أن تطبق أجهزة الدولة أحدث النظم لتأمين متحف متميز مثل متحف الحضارة المصرية.
وبات المتحف القومي للحضارة في القاهرة نقطة جذب للمفتونين بالحضارة المصرية في العالم، وخصصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” صفحة عبر موقعها على الانترنت باسم المتحف القومي للحضارة المصرية، وقدمت المنظمة الدولية تعريفا له جاء فيه إنه “يُعد أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية”.