تشهد موزمبيق، مواجهات واسعة بين قوات الجيش وفرع تنظيم “داعش” الارهابي المعروف باسم “حركة الشباب”، خاصة في منطقة الشمال على الحدود مع تنزانيا، حيث فرض الإرهابيون سيطرتهم لأسبوعين على بلدة بالما ذات الأهمية الاستراتيجية في إقليم كابو ديلجادو الغني بالغاز.. فكيف وصل التنظيم بهذه السهولة إلى هناك.. وما هي وجهته المقبلة؟
رئيس موزمبيق فيليب نيوسي أعلن الأربعاء أن “الجهاديين طُردوا من مدينة بالما”، لكنه امتنع ـ في خطاب إلى الأمة ـ عن إعلان النصر بينما تكافح البلاد منذ أكثر من 3 سنوات حركة الشباب”، واكتفى بالقول “لا نعلن النصر لأننا نكافح الإرهاب”.
وتقول خبيرة الشؤون الإفريقية هبة البشبيشي إن وصول الدواعش إلى موزمبيق كان مفاجئاً وغير متوقع لكنه لم يكن صعباً، وخريطة تنظيم داعش الإرهابي في إفريقيا كانت وما زالت نقطة انطلاقها تتمثل في مناطق غرب القارة السمراء، وتحديدا في “الغرب الشمالي” وليس الغرب كله شمالا أو جنوبا.
تمدد التنظيم بإفريقيا
وأضافت البشبيشي، أستاذة الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، أن “امتداد داعش لمناطق الشرق، خصوصا في موزمبيق يعطى موشرات مختلفة لحركة التنظيم، منها قدرته على اختراق مناطق النفوذ الفرنسي حتى في شرق القارة الإفريقية.
ولم يعد الوجود الفرنسي في إفريقيا مقتصرا على مناطق غرب القارة فحسب، بل تتواجد فرنسا عبر شركة “توتال” للتنقيب عن الغاز في شرق القارة، وتحديدا في موزمبيق، ما يشير إلى وجود صراع على مناطق النفوذ بين فرنسا ودول أخرى داعمة للتنظيمات الارهابية التي تهاجم تلك المناطق.
معلومات شحيحة
وتؤكد خبيرة الشؤون الإفريقية أن داعش ظهر في موزمبيق منبثقا عن جماعة “أنصار السنة” الإرهابية التي شنت تمرداً ضد الحكومة منذ 2017، ويطلق على “داعش” في موزمبيق عدة أسماء أخرى مثل “أهل السنة والجماعة” و”سواحيلي السنة”.
كما يُطلق على “داعش” في موزمبيق اسم تنظيم “الشباب”، لكنه غير مرتبط بحركة الشباب الصومالية التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي وأصبحت الفرع الأخطر له في شرق القارة الإفريقية.
وتابعت البشبيشي: “المعلومات عن تنظيم داعش الإرهابي في موزمبيق، محدودة للغاية، ومصدرها الرئيسي هو تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
وتوضح تقارير “سي آي إيه” أن زعيم التنظيم في موزمبيق يدعى أبو ياسر حسن، وهو شخصية غامضة لا تتوفر عنها معلومات، حيث انضمت جماعة شباب موزمبيق إلى تنظيم داعش وأصبحت فرعا تابعا للقيادات في سوريا والعراق بداية من يونيو 2019″.
قدرات “داعش موزمبيق”
ويشير مصدر مطلع على حركة التنظيمات الارهابية في إفريقيا إن قادة “داعش” في موزمبيق، نجحوا في استقطاب نحو 800 عنصر إرهابي، بحسب بعض التقديرات المتاحة.
ويوضح المصدر” أن التنظيم ينشط من خلال خلايا ومجموعات صغيرة “عنقودية”، وأظهر قدرة على حشد عدد كبير من المسلحين لشن هجمات كبيرة، وظهر ذلك عندما وزع التنظيم مشاهد مصورة لعناصره بعد سيطرتها على بالما، حيث ظهر في الصور عشرات المقاتلين.
ويضيف المصدر أن التقديرات الأميركية تشير إلى أن رفع داعش بموزمبيق قتل 1300 مواطنا منذ 2017، وأعمال العنف المرتبطة بتمرده أدت إلى مقتل قرابة 2500 من المواطنين وقوات الأمن في البلاد وعناصر من “داعش” ذاته، فضلا عن تشريد وترويع آلاف من سكان الشمال.
ضعف الجيش
ويعتمد تنظيم داعش في موزمبيق على عجز القوات المسلحة في البلاد التي تضم 11200 جندي فقط يتوزعون على النحو التالي: 10 آلاف في الجيش، و200 بسلاح البحرية وألف بسلاح الجو.
وكان من تداعيات ضعف الجيش في موزمبيق نجاح الإرهابيين في شن هجوم واسع النطاق سبق التخطيط له بعناية، وأسفر عن السيطرة لمدة 90 يوما على ميناء موكيمباوا بإقليم كابو ديلجادو في أغسطس 2020، لكن اقتحام بالما قبل أيام يُعد الإنجاز الأكبر حتى الآن، كونها تشكل تهديدا مباشرا لمنشآت الغاز الضخمة شمال البلاد.
وتدير شركة “توتال” الفرنسية مشروعا ضخما لإنتاج الغاز في موزمبيق، لكنها اضطرت إلى وقف العمل به وإجلاء موظفيها الأجانب بعد سقوط بالما في أيدي تنظيم داعش الإرهابي.
دعم المجتمع الدولي
رئيس موزمبيق أعلن أن حكومته طلبت الدعم من “المجتمع الدولي” دون إعطاء أي تفاصيل، وقال: “سبق أن أبلغت حكومتنا المجتمع الدولي بما تحتاج إليه على صعيد التصدي للإرهاب. هذا الدعم الدولي يجري تقييمه”.
ومن المقرر أن يلتقي ستة رؤساء أفارقة في عاصمة موزمبيق مابوتو الخميس لإجراء محادثات طارئة حول الأزمة و”بحث تدابير مكافحة الإرهاب”.
وأعلنت مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية الثلاثاء أن رؤساء موزمبيق وملاوي وتنزانيا وبوتسوانا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي سيشاركون في القمة.
الوجهة القادمة للتنظيم
ويبقى السؤال الذى يتبادر إلى الذهن بعد سيطرة داعش على بالما في موزمبيق، هو: ما هي وجهة التنظيم المقبلة؟
موقع “Defense One” الأميركي ذكر في مقال للكاتبين كولين كلارك وجاكوب زين، أن تنظيم داعش الإرهابي سيكثف من هجماته في الأشهر المقبلة على مناطق الضعف في الدول الإفريقية التي تشهد صراعات ومشاحنات داخلية.
وأوضح المقال أن حركة الشباب “داعش” بدأت استخدام الطائرات بدون طيار لتصوير الهجمات وقد تستخدمها قريبا كسلاح لها في هجماتها المقبلة.
وأضاف المقال أن “الفرع الأكثر بروزا لداعش في إفريقيا حتى الآن ينشط فى موزمبيق، وعملياته الأخيرة نجحت إلى حد كبير في تحقيق أهدافها، فضلا عن أن التنظيم يحتفظ بقواعده في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي نفذت عددا من الهجمات المميتة وتهريب مئات المتطرفين من السجون.
ويمتد الصراع، حسب المقال، في مالي إلى كوت ديفوار وبنين وبوركينا فاسو، وقد تكون دول مثل غانا والسنغال هي المرشحة بقوة لتشهد عمليات قادمة للتنظيم الإرهابي.