كيف يرى أصحاب متلازمة داون العالم؟ تساؤل تبادر إلى ذهن عدد من خبراء علم النفس الذين يشتغلون على سلوك الأطفال المصابين بمتلازمة داون. العيون “المائلة” التي اتُّخذت شعارا للمعرض، تعني في هذا السياق، الملامح المميزة لهذه الفئة.
وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل الذي قد يبدو غريبا لأول وهلة، أعطى الأستاذ جعفر عقيل كاميرات لأطفال متحمسين، ليطلقوا العنان لمخيلتهم ويلتقطوا صورا فوتوغرافية، لنرى العالم من زاويتهم ونفهم أحاسيسهم ووعيهم بمحيطهم.
بمقر جمعية أمسات بالعاصمة الرباط، صور فوتوغرافية تؤثث المكان. من المدخل ومرورا بالسلالم وصولا إلى قاعات العرض، تحف فنية معروضة بعناية، وتحت كل واحدة منها توقيع الطفل المبدع الذي التقطها.
“أنظروا لقد التقطت صورة للغابة. الخضرة في كل مكان. أحب هذه الصورة” هكذا قدمت لنا الطفلة مريم بلغازي، 13 سنة، صورة التقطتها بمدينة الرباط. وهي طفلة مصابة بمتلازمة داون، تهتم بالفنون وركوب الخيل. وكانت ضمن مجموعة من التلاميذ الذين استفادوا من تكوين في مجال التصوير لمدة تتراوح السنتين.
غير بعيد عنها، يعرض الطفل أيوب مخوخ، 14 سنة، صوره التي التقطها من شرفة السيارة أثناء تنقله رفقة والديه، والتي استأثرت باهتمام القيمين على هذا التكوين، فقاموا بوضعها في غلاف الدليل التعريفي للمناسبة.
في حديث لسكاي نيوز عربية، قال الأستاذ الجامعي جعفر عقيل، رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي: “لقد كانت تجربة فريدة، لأنني تمكنت من التعرف على هذه الفئة من الأطفال. قبل الشروع في تأطيرهم، لم تكن لدي فكرة واضحة عن اهتماماتهم، والطريقة الصحيحة للتعامل معهم.” وتابع قائلا: “منذ الحصة الأولى وجدت نفسي أمام أطفال متحمسين. وعلمت أنني محظوظ بالتعامل معهم. كانت اللغة التي تربطنا هي الصورة. لأن لغتي قد تكون غير مفهومة بجلاء عند هؤلاء الأطفال، وكذلك الأمر بالنسبة لهم. لهذا فالأرضية المشتركة كانت هي الصورة. وهذا هو الرهان، أن نخلق لغة بصرية مشتركة.”
وأكد الأستاذ الباحث، عقيل، في سياق حديثه أن “هذا المعرض يحاول الإجابة عن تساولات كثيرة حول إدراك هؤلاء الأطفال لعالمهم الخارجي. مضيفا أن هؤلاء الأطفال احتكوا عن قرب بعالم الصورة وتعلموا أشياء كثيرة حول تقنيات التصوير وأنواع اللقطات، وأخدوا دروسا في الروبورتاج، بحيث يمكنهم حكي قصة من خلال الصور وبذلك التعبير عن ما يراودهم من أفكار.”
وأمام حشد من الزوار، قال من جانبه، نجيب عمور رئيس جمعية “أمسات” التي تعنى بالأطفال المصابين بمتلازمة داون، إنه فخور بتنظيم هذه التظاهرة الفنية، خصوصا أنها تتزامن مع اليوم العالمي لهذه المتلازمة. وهو يوم يتم الإحتفال به فى مارس 21 من كل عام، يجتمع خلاله الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون، وأولئك الذين يعيشون ويعملون معهم فى جميع أنحاء العالم لتنظيم والمشاركة في الأنشطة والفعاليات لزيادة الوعى العام وإنشاء صوت عالمى واحد للدفاع عن حقوقهم.
وأثناء العرض، لم يبخل أطفال آخرون ينتمون للمركز على الزوار بما لذ وطاب من الحلويات والمأكولات الشهية التي قاموا بتحضيرها بأنفسهم. فالمركز يحتضن مطعما خاصا يشرف عليه أطفال مصابون بمتلازمة داون، يتعلمون فيه طهي أصناف من الحلويات إلى جانب فن الإيتيكيت، ويشاركون في تظاهرات وطنية ودولية. والهدف هو تمكينهم من الاندماج في المجتمع واكتساب الثقة في أنفسهم، حتى ينصهروا مع أقرانهم.
وجوابا على سؤال لسكاي نيوز عربية حول الأهداف التعليمية لهذه الورشات، قال الخبير في علم النفس بوشعيب بوزكراوي، والمدير التربوي للمركز: “نحن الآن نجني ثمار سنوات من الجهد والمواكبة لهؤلاء الأطفال. لقد لاحظنا أن لديهم طاقات فنية كبيرة، ليس فقط في التصوير بل أيضا في الرسم. فلوحاتهم لاقت إعجابا كبيرا لدى مهتمين بالفن التشكيلي، متخصصون أكدوا على جماليتها واستجابتها للمعايير الفنية. وهذا ما نحرص على استمراريته.”
وتابع بوزكراوي، قائلا: “لقد أصررنا على تسمية ورشة التصوير -العالم من خلال العيون “المائلة” – لنثبت للجميع أن هذه العيون الجميلة التي تميز وجوه أطفال متلازمة داون، ليست دليلا على الإعاقة والمعاناة، بل هي دليل على الإبداع والمثابرة والنجاح.”
تأسست جمعية “أمسات” سنة 1981، وتعنى باحتضان الأطفال المصابين بالتثلث الصبغي، وتوفر الجمعية فضاء متكاملا لهم، لصقل مواهبهم وتعلم أشياء تنفعهم وتجعلهم يخرجون من تحت جناح أسرهم.
وحسب السيدة سارة الوردي المكلفة بالاتصال بالمركز، فإن عدد الأطفال المنخرطين يبلغ حوالي 300 طفل. ومن ضمن الأنشطة التي يقوم بها الأطفال المصابون بالتثلث الصبغي هنا بالمركز، ورشات للرسم والفنون التشكيلية، والرياضات، بالإضافة إلى ذلك يشتغل الأطفال بمشاتل، ليتعلموا البستنة والزراعة، والهدف هو إعطاؤهم فسحة للتعلم واستعمال تقنيات جديدة.