الرئيسيةمنوعات عالمية"فيلا هاريس".. من منزل لصحفي بريطاني مولع بطنجة إلى متحف

“فيلا هاريس”.. من منزل لصحفي بريطاني مولع بطنجة إلى متحف

على‭ ‬مرمى‭ ‬حجر‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬الكبير‭ ‬لمدينة‭ ‬طنجة،‭ ‬تنتصب‭ ‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬شامخة‭ ‬وسط‭ ‬مشهد‭ ‬تطغى‭ ‬عليه‭ ‬الخضرة،‭ ‬وتحيط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬أشجار‭ ‬نادرة‭ ‬وورود‭ ‬بكل‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف،‭ ‬كأنها‭ ‬واحة‭ ‬غناء‭ ‬بساحل‭ ‬المدينة،‭ ‬شُيدت‭ ‬ليَفرّ‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬باحث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬الداخلي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬إرهاق‭ ‬العمل‭ ‬وضوضاء‭ ‬المدينة‭.‬

هذه‭ ‬البناية‭ ‬التي‭ ‬شيدها‭ ‬والتر‭ ‬بورتون‭ ‬هاريس‭ ‬67‭ ‬سنة‭ (‬1866-1933‭)‬،‭ ‬المراسل‭ ‬الصحفي‭ ‬لجريدة‭ ‬التايمز‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬تعاقب‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المالكين‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وعرفت‭ ‬ملامحها‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التغييرات،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تسجيلها‭ ‬ضمن‭ ‬التراث‭ ‬الوطني‭.‬

وها‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬مهجورة‭ ‬لسنوات،‭ ‬وتحولت‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬أيامها‭ ‬إلى‭ ‬مرتع‭ ‬للمتشردين‭.‬

فقد‭ ‬أشرف‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربي،‭ ‬عثمان‭ ‬الفردوس،‭ ‬مرفوقا‭ ‬بالمدير‭ ‬العام‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمتاحف‭ ‬مهدي‭ ‬قطبي،‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬على‭ ‬افتتاح‭ ‬متحف‭ ‬‮«‬فيلا‭ ‬هاريس‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬فضاء‭ ‬الفيلا‭ ‬التاريخية،‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬ترميمه‭ ‬وإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬إليه‭.‬

وقال‭ ‬مهدي‭ ‬قطبي‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لسكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية،‭ ‬‮«‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المعلمة‭ ‬الثقافية،‭ ‬أعيد‭ ‬ترميمها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمتاحف‭ ‬ووزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬وولاية‭ ‬جهة‭ ‬طنجة‭-‬تطوان‭-‬الحسيمة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬لإعداد‭ ‬وترميم‭ ‬معالم‭ ‬المدينة‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬قطبي،‭ ‬أن‭ ‬المتحف‭ ‬حضي‭ ‬بمتبرع‭ ‬متميز‭ ‬يعشق‭ ‬الفن‭ ‬ويحب‭ ‬مشاطرة‭ ‬هوايته‭ ‬مع‭ ‬المولعين‭ ‬بالقطع‭ ‬الفنية،‭ ‬وهو‭ ‬الخليل‭ ‬بلكنش،‭ ‬معربا‭ ‬عن‭ ‬سعادته‭ ‬برؤية‭ ‬مواطن‭ ‬مغربي‭ ‬يُقْدم‭ ‬على‭ ‬التبرع‭ ‬بمجموعة‭ ‬فنية‭ ‬أمضى‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬جمعها‭.‬

وتابع‭ ‬قطبي‭ ‬حديثه‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬زار‭ ‬المتحف‭ ‬حوالي‭ ‬850‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭. ‬الزوار‭ ‬حجوا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬المغربية،‭ ‬رغم‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬ضد‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬والقيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬والتنقل‭ ‬بين‭ ‬المدن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬اهتمام‭ ‬شريحة‭ ‬واسعة‭ ‬بهذه‭ ‬المعلمة‭ ‬عموما‭ ‬وبفن‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‮»‬‭.‬

ولفت‭ ‬المتحدث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬عززته‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمتاحف‭ ‬مع‭ ‬المكتب‭ ‬الوطني‭ ‬للسكك‭ ‬الحديدية،‭ ‬والتي‭ ‬تمكن‭ ‬زوار‭ ‬المتحف‭ ‬الذين‭ ‬سافروا‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬بعيدة‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خصم‭ ‬بـ30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عند‭ ‬ولوج‭ ‬جميع‭ ‬المتاحف‭ ‬التابعة‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمتاحف،‭ ‬بمجرد‭ ‬تقديمهم‭ ‬لتذكرة‭ ‬سفرهم‭ ‬عبر‭ ‬القطار‮»‬‭.‬

‭ .‬

‭.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬قال‭ ‬عثمان‭ ‬الفردوس،‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬سعيد‭ ‬للغاية‭ ‬باكتشاف‭ ‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬وتاريخ‭ ‬ساكنة‭ ‬طنجة‭ ‬والمغاربة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬مؤكدا‭ ‬العمل‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬للمتاحف‭ ‬لترتيب‭ ‬اللقاء‭ ‬بين‭ ‬المجموعة‭ ‬الفنية‭ ‬والمكان،‭ ‬لقاء‭ ‬يعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬الوظيفة‭ ‬المتميزة‭ ‬التي‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‮»‬‭.‬

وأوضح‭ ‬الوزير،‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثه،‭ ‬أن‭ ‬افتتاح‭ ‬‮«‬متحف‭ ‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬بطنجة‮»‬‭ ‬سيساهم‭ ‬في‭ ‬تثمين‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الاستثنائي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مهجورا،‭ ‬مبرزا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬يتميز‭ ‬بكونه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬مكون‭ ‬دمقرطة‭ ‬ثقافة‭ ‬قوي‮»‬‭.‬

أروقة‭ ‬المتحف‭ ‬تفوح‭ ‬بعبق‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتمنح‭ ‬الزائر‭ ‬تذكرة‭ ‬سفر‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬للماضي‭.‬

فروح‭ ‬الصحفي‭ ‬هاريس‭ ‬الذي‭ ‬أغوته‭ ‬طنجة‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هنا‭. ‬الإثارة‭ ‬والجاسوسية‭ ‬والحب‭ ‬والشهرة‭. ‬أحداث‭ ‬كبرى‭ ‬وأحاسيس‭ ‬متضاربة‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬سكنه‭ ‬الفخم،‭ ‬تاريخا‭ ‬وشاهدا‭ ‬على‭ ‬العصر‭. ‬فتح‭ ‬هاريس‭ ‬أبواب‭ ‬الفيلا‭ ‬أمام‭ ‬نخب‭ ‬العالم‭ ‬ومن‭ ‬علا‭ ‬كعبه‭ ‬من‭ ‬سفراء،‭ ‬ورجال‭ ‬سياسة‭ ‬وأصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬والقرار،‭ ‬وجواسيس،‭ ‬ورجال‭ ‬دين‭ ‬وجعل‭ ‬منها‭ ‬مكانا‭ ‬ذا‭ ‬شجون‭ ‬لمناقشة‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى‭.‬

‭ ‬أينما‭ ‬وليت‭ ‬وجهك،‭ ‬تجد‭ ‬قطعا‭ ‬فنية‭ ‬لكبار‭ ‬الرسامين،‭ ‬مثل‭ ‬فرانك‭ ‬تابيرو‭ ‬وجاك‭ ‬ماجوريل‭ ‬وكلاوديو‭ ‬برافو‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إيدي‭ ‬ليجراند،‭ ‬وأعمال‭ ‬الأجيال‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬المغاربة‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬علي‭ ‬الرباطي‭ ‬ومحمد‭ ‬السرغيني‭ ‬والجيلالي‭ ‬الغرباوي‭ ‬وفاطمة‭ ‬حسن‭ ‬ومحمد‭ ‬حمري‭ ‬وفريد‭ ‬بلكاهية‭.‬

ضمن‭ ‬زوار‭ ‬المتحف،‭ ‬شكيب‭ ‬الشودري،‭ ‬أحد‭ ‬الفاعلين‭ ‬الجمعويين‭ ‬بتطوان‭ ‬المجاورة‭ ‬لمدينة‭ ‬طنجة‭. ‬لم‭ ‬يفوت‭ ‬فرصة‭ ‬التنقل‭ ‬للمتحف‭ ‬للاستمتاع‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬بما‭ ‬جادت‭ ‬به‭ ‬قريحة‭ ‬فنانين‭ ‬مغاربة‭ ‬وأجانب،‭ ‬ويستمتع‭ ‬بكل‭ ‬لمسة‭ ‬وضعتها‭ ‬ريشة‭ ‬الرسامين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬اللوحات‭.‬

وقال‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬لسكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية،‭ ‬بنبرة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬فخر‭: ‬‮«‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬هي‭ ‬تراث‭ ‬ثمين‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمدينة‭ ‬طنجة،‭ ‬وهي‭ ‬مصدر‭ ‬اعتزاز‭ ‬لكل‭ ‬المغاربة‭.‬‭ ‬وسيُمكن‭ ‬المتحف‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬أبوابه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬تشجيع‭ ‬السياحة،‭ ‬وجلب‭ ‬زوار‭ ‬مغاربة‭ ‬وأجانب‭. ‬هذه‭ ‬المعلمة‭ ‬ستحفز‭ ‬السياحة‭ ‬الثقافية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬استلهم‭ ‬الصحفي‭ ‬هاريس،‭ ‬ديكور‭ ‬الفيلا‭ ‬من‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية‭ ‬المغربية‭ ‬التقليدية،‭ ‬واختار‭ ‬تزيينه‭ ‬بالجبص‭ ‬المنحوت‭ ‬بالطريقة‭ ‬التقليدية‭ ‬والأعمال‭ ‬الخشبية‭ ‬المنقوشة‭ ‬يدويا‭ ‬و»الزليج‮»‬‭ ‬التقليدي‭ ‬المغربي‭.‬

وحسب‭ ‬المؤرخين‭ ‬باع‭ ‬هاريس‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬الذي‭ ‬داهمته‭ ‬ديون‭ ‬ثقيلة،‭ ‬منزله‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬إسباني‭ ‬حول‭ ‬المسكن‭ ‬إلى‭ ‬ناد‭ ‬للقمار،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعمد‭ ‬كلوب‭ ‬ميد‭ (‬نادي‭ ‬المتوسط‭) ‬إلى‭ ‬اقتنائه‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬وتم‭ ‬فور‭ ‬ذلك‭ ‬بناء‭ ‬قرية‭ ‬سياحية‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬كانت‭ ‬تستهوي‭ ‬السياح‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

وبعد‭ ‬مغادرة‭ ‬كلوب‭ ‬ميد،‭ ‬ظلت‭ ‬فيلا‭ ‬هاريس‭ ‬غير‭ ‬مأهولة‭ ‬وحدائقها‭ ‬غير‭ ‬مستغلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬أطلالا‭ ‬مهجورة‭ ‬يأوي‭ ‬إليها‭ ‬المتشردون‭. ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬خلالها‭ ‬إدراجها‭ ‬ضمن‭ ‬التراث‭ ‬الوطني،‭ ‬نالت‭ ‬هذه‭ ‬البناية‭ ‬الأسطورية‭ ‬أخيرا‭ ‬العناية‭ ‬التي‭ ‬تستحقها‭.‬

Most Popular

Recent Comments