في تصريح مثير للجدل، وصفه محللون بأنه مخالف للأعراف الدبلوماسية، نَعَتَ الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتن بالـ»قاتل» وبأنه «سيدفع ثمن أعماله»، وذلك في مقابلة إعلامية عبر شبكة «آيه بي سي» نيوز الأميركية، ما دفع الجانب الروسي إلى الإعلان عن البدء في مراجعة العلاقات الثنائية بين البلدين، واستدعاء سفير موسكو لدى واشنطن أناتولي أنطونوف للتشاور وتقييم آفاق العلاقات.
وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن أن بلادها «تبحث الخطوات المطلوبة والاتجاه اللازم اتباعه على خلفية وضع العلاقات مع واشنطن»، مشيرة إلى سعي موسكو إلى «تحديد السبل الممكنة لترميم العلاقات التي تمر بمرحلة متأزمة بسبب سياسة واشنطن».
وقبل أسبوعين، أعلنت الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على روسيا، على خلفية سجن المعارض الروسي أليسكي نافالني، وذلك تزامناً أيضاً مع عقوبات أوروبية مماثلة شملت مسؤولين روس على صلة بقضية المعارض الروسي.
وجاء قرار استدعاء السفير الروسي لدى واشنطن معبراً عن حجم تعقد الأزمة بين البلدين. وهذا القرار في حد ذاته يوحي بالخطر على مستوى العلاقات الأميركية الروسية، بينما على رغم أنه كما هو ظاهر للجميع حول العالم من أن العلاقات بين البلدين تمر بمراحل متدهورة، ولكن «هناك بشكل واقعي علاقات مستمرة وتنسيق متواصل بين واشنطن وموسكو في عديد من الملفات؛ أهمها الملف السوري وأيضاً الملف الليبي وكذلك ملف القطب الشمالي، وغيرها من الملفات».
تطور خطير
هذا ما يؤكده في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، المحاضر بمعهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية عمرو الديب، وهو أيضا مدير مركز خبراء رياليست الروسي، والذي يعتقد بأن «مسألة استدعاء السفير تطور خطير نوعاً ما، لأن اتهام الرئيس الأميركي لنظيره الروسي بأنه قاتل يشكل تعدياً على الحدود، ذلك أن مسألة اتهام رئيس دولة بحجم الولايات المتحدة لرئيس دولة أخرى وهي روسيا بأنه قاتل هي أمر في منتهى الخطورة ويبتعد تماماً عن أمور الدبلوماسية».
ويردف: «استدعاء السفير الروسي في واشنطن يعتبر نوعاً من أنواع الاحتجاج الرسمي من جانب موسكو على هذا التصريح؛ لأن روسيا تعلم تماماً أن بايدن والحزب الديمقراطي يهتمون بشكل بالغ بالوضع في أوكرانيا وبشكل كبير بوضع حقوق الإنسان في العالم، ولذلك فإن هذا التصريح الصادر من بايدن ضد بوتن ليس موجه ضده شخصياً لكن موجه للشعب الروسي؛ لأن روسيا في هذا العام ستشهد إجراء الانتخابات البرلمانية، ونعلم تماماً أن الأعوام التي تكون بها أحداث سياسية مثل الانتخابات يتم استغلال هذه الأحداث لإثارة المشاعر الاحتجاجية عند الشعب الروسي.
يأتي ذلك في ظل تقارير تتحدث عن تراجع شعبية الرئيس بوتن داخل روسيا، فضلاً عن قضية نافالني المثيرة للجدل، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الاقتصاد الروسي كما العديد من الاقتصادات حول العالم بسبب كورونا.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية في روسيا في سبتمبر 2021، وهي الانتخابات التي يُنظر إليها باعتبارها اختبار لشعبية بوتن وحزبه.
3 سيناريوهات
ويحدد مدير مركز خبراء رياليست الروسي، 3 سيناريوهات على المدى القصير؛ الأول أن تمتنع موسكو عن إرسال سفيرها لواشنطن في القريب العاجل، والسيناريو أو التحرك الثاني هو اتخاذ قرار بطرد السفير الأميركي، وأخيراً سيناريو حجب المواقع الأميركية الشهيرة داخل روسيا، منها «تويتر».
لكنه يعتقد، ضمن سيناريو مغاير، بأن «الولايات المتحدة هي ليست البيت الأبيض»، فهناك مؤسسات الحكم الأميركية الأخرى أو ما يسمى بالدولة العميقة، والتي قد تعمل على التهدئة، مشيراً إلى تواصل الاتصالات على المستوى الأمني بين البلدين بشكل جيد.
وشهدت الأيام القليلة الماضية سجالاً روسياً أميركياً، وتراشقاً بالتصريحات بين عدد من المسؤولين، كان من بينهم رئيس الدوما الروسي (مجلس النواب) فياتشيسلاف فولودين، الذي قال رداً على تصريحات بوتن، قائلاً: «هذه هيستريا ناجمة عن العجز»، معتبراً الهجوم على بوتين هو هجوم على روسيا.
وفي وقت سابق، كشفت وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي، عن الملامح العامة لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة إزاء العلاقة مع الصين. واعتبرت الاستراتيجية ضمناً أن موسكو قد تكون غير قادرة على الدخول في مواجهة مباشرة وصريحة مع الولايات المتحدة، لجهة تركيز الاستراتيجية بشكل أساسي على «الخطر الصيني». في الوقت الذي سلطت فيه الضوء على مساعي موسكو لتوسعة نفوذها العالمي. وذهبت إلى اعتبار أن الدور الذي تلعبه روسيا هو دور مزعزع للاستقرار على المستوى الدولي.
إضعاف روسيا
وفي غضون ذلك، يقول الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في الشأن الروسي أشرف كمال، في تصريحات خاصة لموقع «سكاي نيوز عربية» إنه «منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، تتبنى واشنطن استراتيجية تستهدف إضعاف روسيا»، مشيراً إلى أن «الكرملين يدرك عدم احترام الإدارة الأميركية لمصالح روسيا الأمنية والاقتصادية، وبالتالي هناك تصور واضح للسيناريوهات كافة للتعاطي مع الإجراءات الأميركية ضد روسيا».
ويشير مدير المركز المصري الروسي للدراسات، إلى أن «الولايات المتحدة لم تتخل عن استغلال ما تقول عنه الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شؤون الدول، بينما لا تملك إدارة بايدن من الآليات سوى فرض العقوبات الاقتصادية، وهي تسعى إلى إقصاء روسيا واحتواء الصين، والضغط على الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول؛ من أجل تبني مواقف سياسية محددة».
اعتمد بايدن في اختيار مساعديه على مواقفهم المتشددة تجاه «روسيا بوتن» واستعدادهم لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في مناطق مختلفة من العالم، وفق كمال الذي يلفت إلى «حالة الاستياء المتزايدة في العالم من سياسيات الولايات المتحدة، ما فتح المجال أمام روسيا لتعزيز دورها بين حلفاء واشنطن».
ويعتبر الباحث في العلاقات الدولية قرار استدعاء السفير الروسي من واشنطن «إجراء طبيعي من جانب الكرملين بعد اتهامات بايدن الصريحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتن»، مبرزاً أبرز التداعيات السلبية لقرار استدعاء السفير، بالتأكيد على أنها «سوف تلقي بظلالها على الملفات التي حظيت بدرجة من درجات التوافق بين البلدين بسبب متطلبات تلك الملفات، وترتفع درجة التوتر في خلافات الجانبين حول سوريا وأمن الخليج وفي ليبيا وأوكرانيا وإمدادات الطاقة إلى أوروبا».