لأول مرة منذ سبتمبر 2020، تواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في محادثة مرئية عبر الفيديو، الثلاثاء، بعد أشهر من توتر العلاقات بين باريس وأنقرة وصلت إلى حد الحرب الكلامية بين الرئيسين.
وقال الرئيس التركي إنه يمكن لبلاده وفرنسا، بصفتهما حليفين قويين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تقديم مساهمات مهمة لجهود الأمن والاستقرار الإقليمي.
وتابع بحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية: «يمكننا تقديم مساهمات مهمة لجهود الأمن والاستقرار والسلام في منطقة جغرافية واسعة، بدءا من أوروبا وحتى القوقاز، ومن الشرق الأوسط حتى إفريقيا»، كما أعرب عن ثقته بأن «علاقات التعاون بين تركيا وفرنسا تتمتع بإمكانات كبيرة جدا».
ويأتي هذا الاتصال في سياق محاولات تركيا تحسين علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت مؤشراتها في الظهور مع بداية العام الجاري بعد لقاء أردوغان مع سفراء الاتحاد في 12 يناير الماضي، حيث أعلن عن دعمه لـ»فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية مع القارة».
وفي 15 يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن ماكرون بعث مؤخرا برسالة «إيجابية جدا» إلى أردوغان، وأكد أن خارطة الطريق المنسقة بينه ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان تضم 4 نقاط، هي التشاور على المستوى الثنائي ومحاربة الإرهاب والقضايا الإقليمية ومنها سوريا وليبيا، بالإضافة إلى التعاون في مجال التعليم.
فما السر في المساعي التركية للتقارب مجددا مع الأوروبيين، لا سيما بعد التوتر الأخير مع باريس؟
خشية تركية
يعتقد رامي التلغ الباحث في العلوم السياسية بجامعة «باريس إست»، في حديث لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن المسعى التركي لطي صفحة الخلافة مع فرنسا «ينطوي على أكثر من هدف، أهمها استباق القمة الأوروبية التي ستنعقد أواخر شهر مارس الجاري وستناقش حزمة جديدة من العقوبات ضد أنقرة، بسبب ملف التنقيب على الغاز في منطقة شرق المتوسط، بما يمكن أن يصل إلى حد إلغاء أو تعليق الوحدة الجمركية بين تركيا والاتحاد الأوروبي».
ويقول التلغ: «يعي أردوغان جيدا أن فرنسا تقود مجموعة الدولة المتشددة تجاه سياسات تركيا، التي تضم اليونان وهولندا وقبرص، لذلك أصبح يسعى لإيجاد نقاط تفاهم مع باريس من أجل تفادي العقوبات التي يمكن أن تعمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أنقرة، خاصة أن البلاد تتجه نحو انتخابات وسط تنامي قوة المعارضة، وعلى رأسها القوى المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم».
ويتابع: «كسبت تركيا خلال السنوات الماضية حلفاء مهمين داخل الاتحاد الأوروبي، من بينهم ألمانيا وإيطاليا والمجر، لكن هذه الدول لا يمكن أن تمنع إقرار عقوبات ضد أنقرة خاصة أنها سعت خلال الأشهر الماضية لتأجيلها، لذلك أصبح لزاما على أردوغان التفاوض مباشرة مع خصمه الرئيسي داخل الاتحاد الأوروبي وهو فرنسا، وفي هذا السياق يأتي هذا التواصل مع ماكرون».
وشهدت العلاقات التركية الفرنسية حالة من التأزم منذ بداية عام 2020 تطورت إلى حرب كلامية، منذ اندلاع أزمة التنقيب عن الغاز شرق المتوسط.
وكان أردوغان قد دعا في أكتوبر الماضي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، وأشار إلى أن نظيره الفرنسي يحتاج إلى «فحص صحته العقلية»، وذلك ردا على خطاب ماكرون في أعقاب قتل المدرس صمويل باتي، الذي وصف فيه الإسلام بأنه «دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم»، فيما وصفت وكالة الأنباء التركية الرسمية سياسة فرنسا بأنها «تستعيد أحقاد الحروب الصليبية».
ويرى التلغ أن صعود الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة «دفع النظام التركي إلى محاولة تحسين علاقاته مع جيرانه الأوروبيين، خشية الوقوع في عزلة دولية»، بالنظر إلى مواقف واشنطن الجديدة تجاه أنقرة.
عقبات
ورغم التواصل بين الرئيسين، يبدو أن العلاقات بين باريس وأنقرة لن تكون في أحسن أحوالها على المدى المنظور، بسبب الملفات العالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بالتدخل التركي في ليبيا وسوريا.
وفي 5 فبراير الماضي، انتقد أردوغان دعوة نظيره الفرنسي لأنقرة لسحب قواتها من ليبيا، وقال في تصريحات صحفية عقب أدائه صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، معلقا على تصريح ماكرون: «يبدو أنه لم يتعلم هذا الأمر، وتعلمه يتطلب الكثير من الوقت».
لكن العقبة الأكبر هي شبكات التأثير التركي الدينية والسياسية داخل فرنسا، التي تجدد الجدل حولها منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت فرنسا في خريف العام الماضي.
وكانت صحيفة «جورنال دو ديمانش» الفرنسية قد نشرت في 6 فبراير الماضي، تحقيقا كشفت فيه عن تقارير أرسلتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية الداخلية والخارجية إلى ماكرون، تتحدث عما سمته «تسللا تركيا على نطاق واسع»، وعن الأهداف الإستراتيجية التي تقف خلف هذا التسلل الذي انطلق من أنقرة عبر شبكات تديرها السفارة التركية وجهاز الاستخبارات التركي.
وفي 4 فبراير الماضي، أعلنت المنظمات الإسلامية التركية المرتبطة بأنقرة رفضها التوقيع على «ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا»، الذي صيغ بالتوافق بين مجلس الديانة الإسلامية والحكومة الفرنسية لإعادة تنظيم شؤون الإسلام داخل فرنسا.
فقد رفضت كل من «لجنة تنسيق الجمعيات التركية الإسلامية في فرنسا»، وهي منظمة تابعة إداريا وماليا للحكومة التركية، و»حركة مللي غوروش» وهي الجناح الأوروبي للإسلام السياسي التركي، التوقيع على الميثاق، لأنه يدين تيار الإسلام السياسي والولاء للخارج والدعاية السياسية داخل المساجد.
وكانت باريس قد أعلنت في 5 نوفمبر 2020 حل جماعة «الذئاب الرمادية» التركية المتطرفة، بعد يومين من فرض الحكومة الفرنسية حظرا عليها، وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في التغريدة التي حملت إعلان حل الجماعة، إن الأخيرة «تحرض على التمييز والكراهية، ومتورطة في أعمال عنف».
وتتهم وسائل إعلام فرنسية الحركة بأنها على صلة القوية بالرئيس التركي، باعتبارها مرتبطة بحزب الحركة القومية التركي المتحالف مع حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.