دعت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان كرواتيا في الآونة الأخيرة إلى تفسير ممارساتها المتمثلة في إبعاد المهاجرين عن حدودها، كما أدانت المجر ودولا أخرى لرفضها استقبال المهاجرين. وقد يتجه اللاجئون إلى هذه المحكمة للطعن في إجراءات الطرد المتخذة بحقهم أو لشجب ظروف الاستقبال. مهاجرنيوز يقدم شرحا عن عمل المحكمة ووظيفتها.
ما هي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هي أعلى هيئة قضائية في القارة الأوروبية. مقرها في مدينة ستراسبورغ شمال شرق فرنسا، وتتمثل مهمتها في ضمان احترام الحقوق الأساسية لنحو 830 مليون شخص يعيشون في الدول الأعضاء الـ47 في مجلس أوروبا. تأسست عام 1959، وتضم ممثلين عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول أخرى مثل تركيا وروسيا وأرمينيا.
من أجل تنفيذ الأحكام، تستند المحكمة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950. وصدّقت فرنسا على هذه المعاهدة في عام 1974، التي تنص على احترام الحقوق وتأمينها والمساواة وحرية التجمع والتعبير والعقيدة، بالإضافة إلى مسائل متعلقة باحترام الخصوصية وتجريم الرق والإتجار بالبشر.
يقول رئيس هيئة موظفي رئاسة المحكمة باتريك تيتيون في مقابلة مع مهاجر نيوز، إن «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تحاكم الدول المُوقعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان»، فقط بعد انتهاء الإجراءات القضائية الممكن اتخاذها داخل البلد نفسه. ويوضح تيتيون «يجب أولا الذهاب إلى محاكم البلد الذي تريد توجيه التهم إليه، واستنفاذ جميع السبل القانونية هناك، بما يتضمن محكمة النقض أو مجلس الدولة مثلا إذا كانت المسألة إدارية». وبالتالي، فإن اللجوء إلى الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لا يتم إلا بعد نهاية الإجراءات الطويلة في البلد المعني.
هل القرارات الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة؟
«نعم. إن القرارات الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة، لأن الدول وافقت على الخضوع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من خلال التصديق عليها»، بحسب ما يشير تيتيون. ويوضح أن تنفيذها يتم بمراقبة لجنة الوزراء، وهي «هيئة دبلوماسية داخل مجلس أوروبا تتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء. وعندما تصدر المحكمة حكمها، يُحال الحكم إلى لجنة الوزراء، التي تصبح مسؤولة عن التواصل مع الدولة المعنية لتنفيذ القرار».
في حالات نادرة، من الممكن أن تكون الدولة مترددة في تنفيذ قرار ما، كما حدث مع المملكة المتحدة التي استغرقت أكثر من 10 سنوات لمنح حق التصويت لسجنائها.
«إن أحكام المحكمة ليست ملزمة فحسب، ولكنها تمثل أيضا إشارة قوية إلى الدولة المدانة وإلى الدول الأعضاء الأخرى في مجلس أوروبا»، بحسب ما يوضح المحامي في القانون الدولي والأوروبي لحقوق الإنسان في ستراسبورغ جوليان مارتان.
في عام 2007، أدانت المحكمة تركيا بشأن إجراءات اعتقال الأشخاص، إذ لم يكن بإمكان المحامين التدخل خلال الساعة الأولى من احتجاز الشخص، فعمدت فرنسا بدورها إلى تغيير تشريعاتها حتى لا تُدان بدورها. ويرى مارتان أن هذا المثال يثبت فاعلية المحكمة الأوروبية ويصفها بأنها «أداة رائعة تبني قانونا قضائيا حقيقيا في مجال حماية حقوق الإنسان».
من يمكنه التقدم للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟ وما الذي يجب فعله؟
يمكن لأي شخص استنفذ سبل الاستئناف في المحاكم الوطنية، أن يتقدم بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وذلك ينطبق على المواطنين والمقيمين في الدول الـ47 الأعضاء في مجلس أوروبا. أي بإمكان أي شخص على أراضي تلك البلدان التوجه إلى المحكمة. «على سبيل المثال، إذا كان هناك شخص يخضع لإجراءات طرد في فرنسا، ولكنه قد يتعرض للتعذيب عند عودته إلى بلده الأم، فيمكن تقديم طلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وإذا خلص حكم المحكمة إلى أن خطر التعذيب قائم، فإن فرنسا لن يكون لها الحق في طرد الشخص»، وفقا لما يؤكده باتريك تيتيون.
ويمكن أيضا أن يستفيد من ذلك القاصرين الأجانب غير المصحوبين بذويهم والذين ليس لديهم مأوى مثلا، أو حتى طالبي اللجوء الذين لا يستطيعون الحصول على حقوقهم كشروط الاستقبال المنصوص عليها في القانون الفرنسي. لكن يذكّر جوليان مارتن على أن يكون مقدم الطلب قد استنفذ جميع الإجراءات الوطنية داخل الدولة قبل التوجه إلى المحكمة الأوروبية. ولا يغفل مارتن ذكر الصعوبات التي يواجهها المدّعي، «الإجراءات في محكمة النقض تستغرق بالفعل الكثير من الوقت. ومن ثم قد تطول الإجراءات لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان».
ولا تقتصر الصعوبة على الوقت الطويل فحسب، وإنما توجد مهمة أخرى ليست سهلة وهي ملؤ نموذج الطلب (القابل للتنزيل من موقع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان). «هناك عدد معين من المتطلبات الإجرائية المنصوص عليها. وفي حال عدم الالتزام بكل ذلك، يتم رفض الطلب. هذا هو الحال بالنسبة لغالبية كبيرة من القضايا المرفوعة حاليا»، بحسب ما يؤكد باتريك تيتيون، موضحا أن المحامي ليس إجباريا خلال تقديم الطلب لكن يُنصح الاستعانة به بشدة من أجل الالتزام بتطبيق الإجراءات بشكل صحيح.
يؤكد جوليان مارتن «هناك الكثير من الشراك التي يجب تجنبها من أجل التوجه إلى المحكمة. ملء نموذج الطلب صعب جدا والشروط صارمة للغاية. يجب اختيار الأجوبة المطابقة مع حالة الشخص وتوقيع الأوراق وشرح قضية المدعي في صفحتين فقط. من الناحية النظرية، بإمكان الجميع الحصول على تلك الأوراق، ولكن من الناحية العملية من الأفضل تعيين محامٍ». ووفقا لمارتن يمكن للمحكمة، أن تكون أكثر مرونة بشأن شروط قبول الملف عندما يكون مقدم الطلب في وضع حرج للغاية أو على سبيل المثال، في مركز احتجاز.
في عام 2019، عالجت المحكمة 597 شكوى تتعلق بفرنسا، بما في ذلك 578 شكوى لم تقبلها المحكمة أو لم تتم متابعتها. أصدرت 19 حكماً (بشأن 19 طلباً) كان في 13 منها انتهاكاً واحداً على الأقل للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. «نحن نعلم أنه منذ عام 2010، تعتمد سياسة المحكمة على الإخلاء وإلغاء الحجز. وهذا يشكك في بعض الأحيان طرق دراسة القضايا، خاصة وأن المحكمة لا تقدم أسباب قرارها عندما يكون الطلب غير مقبول»، يأسف جوليان مارتن قائلا «من المستحيل أيضا تقديم نفس الطلب مرة أخرى حتى لو تمت إعادة صياغة الملف».
من ناحية أخرى، من الممكن التوجه إلى المحكمة «في إجراء طارئ» لطلب تعليق الطرد أو تسليم الشخص إلى بلده الأم، بينما تصدر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارها النهائي بشأن القضية. «لا تقبل المحكمة طلبات التعليق المؤقت إلا في ظروف استثنائية، يكون فيها مقدم الطلب معرضا لخطر حقيقي بحدوث ضرر جسيم لا رجعة فيه».
هل من الملائم أن يتوجه المهاجر أو اللاجئ أو الأجنبي بشكل عام إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟
بحسب باتريك تيتيون، فإن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان هي أداة مفيدة بشكل خاص لحقوق المنفيين، الذي يؤكد أن العديد منهم استفادوا منها خاصة وأنه يوجد حاليا حوالي 350 حالة تتعلق بالمهاجرين أو الأجانب في وضع غير نظامي. وخارج الحالات الشخصية، من الممكن تغيير تشريع الدولة والنهوض بحماية حقوق الإنسان. كما حدث في عام 2005 في قضية سيليادين، (مهاجرة توغولية تعرضت للاستعباد على يد دبلوماسيين أفارقة يعيشون في فرنسا). وبعد صدور حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، جرّمت فرنسا العبودية المنزلية.
بشكل عام، يبرر جوليان مارتن وجود حالات عديدة تتعلق بالأجانب والمهاجرين، إلى حقيقة أن «اللجوء وحق الإقامة عرضة بانتظام للانتهاك بموجب المادة 3 (حظر المعاملة المهينة) من الاتفاقية». ويستذكر قضية تعود إلى عام 2011، «عندما رفضت بلجيكا طلب لجوء عائلة أفغانية وصلت إلى أوروبا عبر اليونان بسبب اتفاقية دبلن. ورفضت الأسرة العودة إلى اليونان حيث كانت ظروفها المعيشية مروعة، وتوفي جراء ذلك أحد أبنائها. وقد تمت على أثرها إدانة اليونان وبلجيكا بشدة، وعالجت السلطات على الفور طلب اللجوء الخاص بالعائلة».
كثيرا ما يتم الاعتماد على المادة 3 بشأن حظر المعاملة المهينة للاتفاقية، في القضايا التي تتعلق بالمهاجرين أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ففي عام 2019، أدينت فرنسا بعد فشل السلطات الفرنسية في رعاية قاصر أجنبي غير مصحوب قبل عملية تفكيك مخيم «غابة كاليه» وبعدها.
فيما يتعلق بمسألة «الإعادة القسرية» للمهاجرين على الحدود، والتي كانت مؤخرا موضوع قضية رفعها ثلاثة سوريين ضد كرواتيا، فقد صدرت بالفعل أحكام ضد الطرد الجماعي في السنوات الأخيرة. كما حدث في عام 2016 عندما تم تعليق طرد ثلاثة عراقيين من السويد.
إذا رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الملف، هل من الممكن استئناف القرار؟ هل يمكن اللجوء إلى مؤسسة أخرى مثل محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي؟
«عندما ترفض المحكمة الملف، فهي لا تقدم أسبابا لذلك، وبالتالي لا يمكن استئنافه. ولا يمكن حتى تقديم الطلب نفسه مرة ثانية. من ناحية أخرى، يمكن الاستعانة بلجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تراقب تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه 173 دولة. لكن آراء تلك اللجنة وتوصياتها ليست إجبارية. بحسب جوليان مارتن.
محكمة العدل الأوروبية تتبع للاتحاد الأوروبي وهي مؤسسة مختلفة تماما، مقرها لوكسمبورغ. وبحسب باتريك تيتيون، فإن عملها يضمن تطبيق قانون الاتحاد الأوروبي وتوحيد تفسيره على أراضي الاتحاد ويتعامل بشكل عام مع الحالات «ذات الطبيعة الاقتصادية». أما محكمة العدل الدولية في لاهاي، فهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة للبت في النزاع بين الدول.
هناك أيضا محاكم قارية أخرى مثل المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان أو محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان. هذا الأخير «يجعل أحكام القضاء واعدة للغاية والتي تلهم عمل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في كثير من القضايا. وقد يحدث أن تعتمد المحكمة على محكمة أمريكا اللاتينية خاصة عندما تواجه قضايا غير مسبوقة»، وفقًا لما ذكره جوليان مارتن الذي يرحب «بالحوار البنّاء من أجل تقدم حقوق الإنسان» بين هاتين المؤسستين.