معدلات قياسية استطاعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تحقيقها خلال شهر يناير 2021، وذلك بعد المحافظة على المعدلات الإنتاجية اليومية. في الوقت الذي يتحدث فيه محللون عن تحديات قائمة يواجهها عمل المؤسسة، وسط تحذيرات من “انهيار المرافق الحيوية”، وفي ظل اقتصاد مُنهك، ومعوقات تستلزم “رؤية اقتصادية جديدة”.
أحدث البيانات الصادرة عن المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، تكشف عن ارتفاع قياسي في إيرادات مبيعات النفط الخام والغاز والمكثفات والمنتجات البترولية والبتروكيماويات، والتي وصلت إلى مليار و409 آلاف دولار في شهر يناير الماضي، وذلك بزيادة قدرها 300 ألف دولار عن الشهر السابق عليه.
ويعزي خبراء اقتصاد هذه المعدلات إلى عدة عوامل أهمها هدوء الأوضاع الداخلية وتوقف الحرب، بموازاة ارتفاع سعر النفط على المستوى العالمي، بالتزامن مع تواصل تدفقات النفط في ليبيا فوق المليون برميل يومياً.
وفي تقدير الأمين العام للمركز الليبي للتنافسية الاقتصادية وتطوير القطاع الخاص فوزي عمار فإنه “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وإذا لم تقم حالة احتراب جديدة بالبلاد، فإن تدفقات النفط في ليبيا سوف تستمر على هذا النمط في الفترة المقبلة، ما بين مليون و200 ألف برميل في اليوم ومليون 300 ألف برميل”.
تحديات اقتصادية
ويلفت الخبير الاقتصادي الليبي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “الإيرادات النفطية مستمرة على معدلاتها الأخيرة، ولا توجد معوقات حالياً بعد توقف الحرب، وتسير وفق المعدل الطبيعي في إطار المليون و300 ألف برميل يومياً”، لكنه يلفت في السياق ذاته إلى التحديات الاقتصادية القائمة التي تشهدها ليبيا على رغم توقف الحرب وعودة التدفقات النفطية.
ويقول إن ثمة مشكلتين رئيستين تواجه الاقتصاد الليبي الأولى مرتبطة أولاً بمسألة توزيع الثروة بين الأقاليم الليبية، وهذا ما سبَّبَ الإقفال في الفترة السابقة (الفترة التي توقف فيها إنتاج النفط، والتي بلغ إجمالي الخسائر خلالها حوالي 6.27 مليار دولار خلال 164 يوماً).
أما المشكلة الثانية – في تقدير عمار- فهي مشكلة هيكلية يعاني منها الاقتصاد الليبي “الريعي”، مشدداً على أهمية تحوّل الاقتصاد إلى اقتصاد منتج لا يعتمد كثيراً على النفط، على أن يكون النفط المحرك الأساسي في ذلك التحول التدريجي نحو الاقتصاد المبني على المعرفة.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الليبي بأن “الحكومات القادمة في ليبيا بحاجة إلى جهد كبير جداً لإعادة هيكلية الاقتصاد الليبي، وهذا يتطلب أولاً حل المشكلة الأساسية، والتي ترتبط بالصراع على المشاع، أو على توزيع ثروة النفط، وهذا يحتاج إلى رؤية اقتصادية جديدة”.
تخبط
وبموازاة تلك المعوقات أيضاً، تشكو المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا من ما وصفته بـ”التخبط” ببعض دوائر اتخاذ القرار.
وذكر رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله، في بيان، أنه “رغم التخبط والبيروقراطية من بعض دوائر اتخاذ القرار في الدولة في شأن تسييل الميزانيات الضرورية و الملحة التي لا زالت عالقة حتى الآن، إلا أن المؤسسة الوطنية للنفط تتعامل مع التحديات انطلاقاً من شعورها بالمسؤولية الوطنية تجاه المواطن البسيط، وتحث الجهات الرسمية الأخرى على التحلي بروح المسؤولية وتنفيذ التدابير الحكيمة خدمةً للوطن والحيلولة دون انهيار المرافق الحيوية في ظل تفشي جائحة كورونا “.
ارتفاع الإيرادات
ويُعلق الباحث والخبير الاقتصادي الليبي علي الصلح على المستويات التي حققها إنتاج النفط في ليبيا خلال شهر يناير، مرجعاً زيادة الإيرادات إلى سببين رئيسيين؛ السبب الأول هو عودة وتعافي الإنتاج في ليبيا وتحقيق المؤسسة الوطنية للنفط أهدافها للعودة إلى معدل المليون و200 ألف برميل باليوم. بينما السبب الثاني مرتبط أيضاً بارتفاع أسعار النفط العالمية، وهو ما أسهم في زيادة إيرادات ليبيا النفطية.
وارتفعت أسعار النفط خلال الشهر الأول من العام الجاري 2021 بنسبة نحو 8 بالمئة، وسط توقعات بانتعاش الطلب.
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي في هذا الإطار، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “المؤسسة الوطنية للنفط حققت المطلوب من أهدافها الوظيفية، وهي الإدارة والتسويق والإنتاج”، لافتاً في السياق ذاته إلى أبرز المعوقات أمام المؤسسة، والتي تتمثل في جانبين رئيسيين؛ الأول: الجانب التمويلي، وسط الحاجة لمزيدٍ من ضخ الاستثمارات والاستقرار في المؤسسة التي أشارت إلى ذلك بصورة مباشرة، وهي المؤسسة الوحيدة في ليبيا التي لها علاقة بالإنتاجية الآن، فكلما زادت النفقات الاستثمارية كلما زادت الإنتاجية. أما المعوق الثاني فيتمثل في التحديات السياسية، حول الوصول إلى شكل مستقر للدولة، والحيلولة دون العودة للإقفال من جديد.
انهيار المرافق
ويستطرد الخبير الاقتصادي الليبي في معرض حديثه، متحدثاً عن أزمة “المرافق” بوصفها أزمة شديدة الخطورة، في ظل ضعف النفقات الاستثمارية، وفي ظل ضعف البنى التحتية المهمة خاصة في مسألة صيانة المرافق النفطية من جديد وإعادة الإنتاج والتأهيل، وكل ذلك مؤثر بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا عموماً.
وتحدث بيان المؤسسة الوطنية للنفط قبل يومين، عن المشكلات التي تواجه المرافق، بالإشارة إلى أن المؤسسة “لم تستلم مخصصات المحروقات لشهري يناير وفبراير للعام 2021 على التوالي ولا زالت المؤسسة تمول عمليات تشغيل المرافق الحيوية للبلاد بترتيبات خاصة مع البنوك وتحتفظ بحقها كاملاً في محاسبة الجهات الرسمية التي أخلت بواجباتها والتزاماتها”.
وورد بالبيان أنه “سيتم إحاطة مكتب النائب العام بالخلفيات كاملة للوقوف على البواعث والدوافع وراء إيصالنا إلى مرحلة الاتجاه لانهيار المرافق الحيوية في البلاد وتجاوز القانون في هذه الظروف الطارئة”.
وبتفاؤل ينظر الصلح إلى مستقبل الاقتصاد الليبي، مشيراً إلى أن “ليبيا مرت بمرحلة شديدة الخطورة، لا سيما لجهة الفساد الذي كانت تعاني منه (..) الآن يتبدد الخوف، وصار الاقتصاد الليبي يتعافى بشكل واضح، ليجذب الاستثمارات”.