طرح السجال الأخير بين عملاق مواقع التواصل الاجتماعي “فيسيوك” وحكومة أستراليا، العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحكومات وعمالقة الإنترنت، على خلفية سيطرة وتحكم هذه الشركات بالشبكة العنكبوتية.
ووجد 13 مليون شخص هو عدد مستخدمي “فيسبوك” في أستراليا – بحسب الشركة نفسها – أنفسهم بلا أي محتوى إخباري صباح الخميس، حيث حُجبت عنهم المضامين الإخبارية وبعض الصفحات الحكومية الخدمية الأسترالية الرسمية.
واتخذت “فيسبوك” هذه الخطوة كرد فعل على قانون متوقع أن يقرّه البرلمان الأسترالي خلال أيام، يلزم عملاق التواصل الاجتماعي و”غوغل” بالدفع مقابل المحتوى الإخباري.
وبينما رضخ عملاق محركات البحث “غوغل” ووافق على الدفع لمجموعة “نيوز كورب” الإعلامية الأسترالية مقابل المحتوى الذي تنتجه، اتخذت “فيسبوك” منحا مغايرا، اعتبره رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون “تهديدا”.
تصعيد مستمر
وحول تداعيات القضية، أوضح فادي رمزي، خبير الإعلام الرقمي، والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن “الوضع قد يبقى على ما هو عليه ربما لأسابيع قليلة مقبلة، والتصعيد سيظل مستمرا بين الطرفين وقد يحتدم، والمبادرة يجب أن تكون من فيسبوك التي بدت وكأنها تفرض عضلات وهيمنة غير مرحب بها أمام الحكومات”.
وأشار خبير الإعلام الرقمي في حديث، إلى أن القانون الأسترالي يستهدف الشركتين معا “فيسبوك وغوغل” وفي الوقت الذي رضخت فيه “غوغل”، أظهرت “فيسبوك” “مقاومة عنيفة” بزعم منها أن تعامل عملاق محركات البحث مع الأخبار والناشرين مختلف عما هو عليه مع عملاق التواصل الاجتماعي، إذ أن المحتوى الإخباري على فيسبوك عبارة عن 4 في المئة فقط ولن يُدفع عليه مقابل نظرا لربحيته الضئيلة مقارنة بغوغل.
فرصة ذهبية
وتتعرض “فيسبوك” بحسب رمزي لضغط متزايد من جهات متعددة سواء بسبب أزمة “واتساب” الأخيرة (تحديث سياسة الخصوصية) التي تراجعت عنها وأجلتها حتى مايو المقبل، أو أزمة الأخبار المغلوطة المتعلقة بجائحة كورونا في موجتيها الأولى والثانية أو غيرها من أزمات سابقة، ما يجعلها تتعامل بمنطق “رد الفعل”.
وأوضح أن تحرك الناشرين في أستراليا لإيجاد وسائط بديلة قد يدفع “فيسبوك” أكثر للتراجع عن قرارها، مشيرا إلى وجود فرصة ذهبية لـ”تويتر” التي تعتبر المستفيد الأكبر حتى الآن.
وفي تعليقه على الأزمة، كتب رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على صفحته في “فيسبوك”، أن تصرفات الشركة لإلغاء “الصداقة” مع بلاده بقطع المعلومات الأساسية عن خدمات الصحة والطوارئ “متعجرفة ومخيبة للآمال”.
وأضاف موريسون أن هذه الإجراءات تؤكد المخاوف التي يعبّر عنها عدد متزايد من الدول بشأن سلوك شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعتقد أنها “أكبر من الحكومات وأن القواعد لا ينبغي أن تطبق عليها”.
وفي هذا الصدد، يرى المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن هذه الواقعة تفتح الباب على مصراعيه للصراع بين الحكومات وعملاق التواصل الاجتماعي التي بدأت تتخذ خطوات تبدو وكأنها “تحدٍ أو أكبر من الحكومة” بسبب حجم البيانات التي تمتلكها، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة الأسترالية وغيرها، الأمر الذي يؤجج الصراع.
ولفت رمزي إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يكون النموذج الوحيد الذي نجح في “فرض” طريقة معينة للتعامل مع غوغل وفيسبوك، بينما باقي الحكومات منفردة لا تزال حتى الآن تحت ضغط من هذه الشركات.
تراجع كبير
وأظهرت بيانات شركة التحليل “تشارتبيت” أن عدد زوار مواقع وسائل الإعلام الأسترالية داخل البلاد وخارجها تراجع بنسبة تزيد عن 20 في المئة يوميا.
ويؤكد رمزي أن المردود السلبي على وسائل الإعلام هناك كان “متوقعا” مذكّرا بما حدث مع وسائل الإعلام العالمية سنة 2018 عندما أصدرت “فيسبوك” تحديثا يقلل ظهور المحتوى الإخباري مقابل ظهور محتوى الأصدقاء والأسرة، ما أثر بشكل كبير عدد الزيارات للمنصات الإخبارية عالميا، وهو ما يتكرر اليوم في أستراليا ولكن “بشكل أعنف”.
وعلى أرض الواقع، أعلن وزير المال الأسترالي جوش فريدنبرغ، أنه أجرى محادثات مع رئيس “فيسبوك” مارك زوكربيرغ، الجمعة، بهدف التوصل إلى حل للخروج من “هذه المواجهة”، على أن تستمر المباحثات طوال اليومين المقبلين.