كانت أعمال النحات المصري مصطفى جاب الله سببا رئيسا في دخوله السجن، لا لجرم ارتكبه ولكن بسبب الجودة العالية للتماثيل والمنحوتات التي يصنعها بيديه.
قصة مصطفى جاب الله علي سليمان، تبدأ في قرية البهنسا التابعة لمركز بني مزار محافظة المنيا بصعيد مصر، حيث تعرض لإصابة أثرت على سمعه منذ الصغر، الأمر الذي جعله لم يحظ بقدر كاف من التعليم، خاصة بعد أن تجاوز المرحلة العمرية التي تسمح له بالالتحاق بالمدارس، إلا أنه اتجه لعملية الترميم اليدوي للآثار الرومانية والفرعونية مع والده الذي كان يعمل في تجارة الآثار والتي كان مسموحا بها في ذلك الوقت.
دقة الصناعة تؤدي للسجن
بعد أن وصل إلى مرحلة الشباب بدأت تظهر عبقرية مصطفى جاب الله حيث اكتشف خلطة سحرية يمكنها أن تجعل التماثيل التي ينتحها بيديه تبدو وكأنها أثار صنعت منذ آلاف السنين.
ويرى فتحي إدريس عضو نقابة الفنانيين التشكيليين، ورئيس جمعية محبي الفنون والآداب، في حديث لـ»سكاي نيوز عربية» أن مصطفى جاب الله فنان فطري تربى في بيئة سمحت له بتفجير إبداعاته، حيث كان والده يحمل تصريحا رسميا بتجارة الآثار، ما سمح لمصطفى بالتعامل مع المنحوتات الفرعونية والرومانية وغيرها، وتدرب في الصبا على ترميم الآثار، ثم بدأ بممارسة هواية النحت وفن التقليد الذي تسبب في وجود مشكلة له مع وزارة الثقافة.
وكان مصطفى قد لفت أنظار تجار الآثار ومهربيها، فتكالبوا لشراء منحوتاته وتماثيله، واكتشف الرجل بعد ذلك أنهم يبيعونها للسائحين كأنها تماثيل حقيقية، ما يبرر الإقبال الهائل على أعماله دون أعمال باقي النحاتين الذين يعملون في نفس الحرفة.
منافسو جاب الله في المهنة قاموا بالإبلاغ عنه واتهمهوه بالتجارة في الآثار وتم القبض عليه بناء على بلاغات عديدة قدمت ضده، وضبط معه عدد من المنحوتات التي صنعها بيديه.
في جلسة المحاكمة، وجه له القاضي تهمة التجارة في الآثار وتم استقدام خبير في هذا الشأن، وكانت المفاجأة أن الخبير اعتبر أن ما ضبط مع مصطفى هي آثار حقيقية تعود لزمن الفراعنة منذ آلاف السنين، وعليه قرر القاضي سجنه لمدة عام بتهمة التجارة في الآثار دون أن يتمكن جاب الله من إثبات براءته إلا بحيلة ذكية.
البراءة بنفس العبقرية
نجح مصطفى في إقناع مأمور السجن بإدخال المواد اللازمة وأدوات النحت إلى محبسه ليقوم بصنع تمثال بيديه، وفي جلسة النقض عرض مصطفى التمثال الذي صنعه بيديه واستقدم القاضي نفس الخبير الذي كان يعد الشاهد الرئيسي في القضية، فأكد أن التمثال يعود لزمن الفراعنة وأنه مصنوع منذ آلاف السنين.
هنا قام مصطفى بطلب الحديث وطلب من القاضي المثول أمامه خارج قفص الاتهام، وما إن سمح له القاضي حتى طلب كسر التمثال وهو ما قوبل بذهول من القاضي، فأقدم على كسر التمثال الذي خرجت من من داخله نقود حديث معدنية، وهي دليل على أن هذا التمثال قد صنع حديثا ولا يعود لزمن الفراعنة، ليتم التأكد أنها أعماله لكنها بجودة فرعونية لا مثيل لها، ويحصل الرجل على البراءة التي مهدت للاعتراف به كفنان وخبير في مجال النحت دون الحصول على أي شهادة سوى الموهبة النادرة.
القاهرة للمشاركة في عملية الترميم.
فقدم معاينة توضح أن أبو الهول هو صخرة منحوتة ولا يمكن استخدام غير نفس المادة المصنوع منها وأخذت اللجنة برأيه فيها ونجحت عملية الترميم بفضل أفكاره العبقرية، دون أن يتقاضي أي أموال.
مساهمات ثقافية
ذاع صيت مصطفى جاب الله حتى أرسل له الرئيس الراحل أنور السادات برقية لإقامة معرض تحت عنوان النصر والسلام وأرسل مندوبا من وزارة الثقافة إلى محل إقامته في قرية البهنسا، ليتم نقله إلى حضور افتتاح المعرض بمدينة الفنانين في الهرم.
وشارك مصطفى في العديد من المعارض الثقافية مثل معرض الخالدين بالحسين، ومعرض الصحة وتنظيم الأسرة، ومعرض البحث عن أمراض القلب، ومعرض المليون بيضة الذي افتتحه الرئيس السادات بقرية شوشة، فضلا عن استقدامه لتدريب طلاب الكليات على عمليات النحت، وإقامة معرض لأعماله يطوف على جميع محافظات مصر.
سر الخلطة
وأكد مصطفى أن الفراعنة كانوا يعتمدون على المواد الأساسية من ماء وملح وتراب في عملية التحنيط وصنع التماثيل، وأنه استطاع أن يسير على نهجهم في نفس الصناعة لتخرج تماثيله بشكل عبقري لا يختلف إطلاقا عن التماثيل الفرعونية الأصلية.
مصطفى جاب الله قد جاوز الثمانين من عمره، فهو من مواليد عام 1939 وله من الأحفاد والأولاد أكثر من 70، ويرى أن العمل من الله والعقل من الله وأن ما وصل إليه من خبرة وموهبة كانت مجرد منحة وهبة ربانية ليس له فيها إلا حسن استغلالها ليصبح بحق شيخ النحاتين المصريين.