الرئيسيةمنوعات عالمية"أزمة" سوق الكتاب في الجزائر تتفاقم.. والأسباب متعددة

“أزمة” سوق الكتاب في الجزائر تتفاقم.. والأسباب متعددة

تحدث‭ ‬الروائي‭ ‬الجزائري‭ ‬سمير‭ ‬قسيمي‭ ‬لـ»سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬خطته‭ ‬لتطوير‭ ‬سوق‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬بعد‭ ‬تعيينه‭ ‬مديرا‭ ‬مركزيا‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مركبات‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭.‬

وتأتي‭ ‬خطة‭ ‬قسيمي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد19،‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬آثار‭ ‬جسيمة‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

أزمة‭ ‬المكتبات‭ ‬تتفاقم

وقال‭ ‬الروائي‭ ‬الجزائري‭ ‬إن‭ ‬غلق‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الدول،‭ ‬وامتناع‭ ‬البلاد‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬ما‭ ‬اعتادت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬معارض‭ ‬وصالونات،‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬تعلن‭ ‬الإفلاس،‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬نظاما‭ ‬قانونيا‭ ‬صارما‭ ‬يحمي‭ ‬العمل‭ ‬الثقافة‭ ‬والمشتغلين‭ ‬فيه،‭ ‬وكذلك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬العرف‭ ‬السائد‭ -‬مهن‭ ‬الكتاب‭- ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬محل‭ ‬إهمال‮»‬‭.‬

وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬خاضت‭ ‬تجربة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية‭ ‬لتشريع‭ ‬شيء‭ ‬شبيه‭ ‬بالقانون،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬مجرد‭ ‬مشروع‭ ‬مستعجل،‭ ‬تمت‭ ‬صياغته‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬أو‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالعارفين‭ ‬بقطاع‭ ‬الكتاب،‭ ‬سيما‭ ‬المؤلفين‭ ‬والمكتبيين‭ ‬والناشرين‭ ‬الخواص‭.‬

وعن‭ ‬تعيينه‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬مؤسسة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬ورؤيته‭ ‬لتطوير‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬قال‭:‬‮»‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬رسم‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تجاري‭ ‬واقتصادي‭ ‬ناجح،‭ ‬يضمن‭ ‬الجودة‭ ‬من‭ ‬ناحيتي‭ ‬الشكل‭ ‬والمحتوى‭ ‬لإحداث‭ ‬شراكات،‭ ‬وتكرس‭ ‬خطة‭ ‬نشر‭ ‬ذات‭ ‬بعدين‭ ‬وطني‭ ‬وعربي‮»‬‭.‬

وكما‭ ‬تشير‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية،‭ ‬فإن‭ ‬الجزائر‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬مكتبة‭ ‬متخصصة،‭ ‬وهي‭ ‬منتشرة‭ ‬عبر‭ ‬كامل‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬وأشهرها‭ ‬مكتبة‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬بالعاصمة‭ ‬ومكتبة‭ ‬‮«‬الشهاب‮»‬‭ ‬ومكتبة‭ ‬‮«‬ابن‭ ‬خلدون‮»‬‭ ‬ومكتبة‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬الأقوال‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬تعد‭ ‬أزمة‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وليدة‭ ‬اليوم،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬تعاني‭ ‬التهميش‭ ‬وعزوف‭ ‬القراء‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المكتبيين‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬نشاطهم‭ ‬الثقافي‭ ‬والفكري،‭ ‬والتوجه‭ ‬إلى‭ ‬تجارة‭ ‬بيع‭ ‬الملابس‭ ‬أو‭ ‬تحويل‭ ‬المكتبات‭ ‬إلى‭ ‬محلات‭ ‬الأكل‭ ‬الخفيف‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الملاحظ‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬النشر‭ ‬الجزائرية‭ ‬هو‭ ‬عزوف‭ ‬المؤلف‭ ‬العربي‭ ‬سواء‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬الروائيين‭ ‬على‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بينما‭ ‬يحج‭ ‬الأدباء‭ ‬الجزائريين‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬لطبع‭ ‬أعمالهم‭.‬

وهنا،‭ ‬يحمل‭ ‬قسيمي‭ ‬المسؤولية‭ ‬مباشرة‭ ‬للإدارة‭ ‬والسياسية‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭:‬‮»‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسعى‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬درجة‭ ‬جنونه‭ ‬للإقامة‭ ‬في‭ ‬مقبرة،‭ ‬والسياسة‭ ‬الثقافية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬تعكس‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الراحل‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬مهري‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬زمن‭ ‬الرداءة‭ ‬وللرداءة‭ ‬أهلها‮»‬،‭ ‬ونحن‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬نعيش‭ ‬ذروة‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‮»‬‭.‬

المسافة‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والسلطة

وعن‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يضعها‭ ‬المثقف‭ ‬أمام‭ ‬السلطة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمناصب‭ ‬الهامة،‭ ‬قال‭ ‬قسيمي‭:‬‮»‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطأ،‭ ‬فليس‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬أي‭ ‬مسافة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬السلطة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬هذه‭ ‬المسافة،‭ ‬فالأصل‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬السلطة‭ ‬يمنحها‭ ‬أو‭ ‬يسحبها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬سياسية،‭ ‬هو‭ ‬صانع‭ ‬السلطات،‭ ‬وصاحب‭ ‬الرؤية‭ ‬وصانع‭ ‬المفاتيح،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يمنح‭ ‬المنصب‭ ‬هيبته‭ ‬ولا‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬المنصب‭ ‬هيبة‮»‬‭.‬

ويرى‭ ‬الروائي‭ ‬الجزائري‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المعادلة‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬لاحظ‭ ‬فقط‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالسلطة‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬العشرية‭ ‬السوداء‭ ‬‮«‬1990‭-‬1999‮»‬،‭ ‬لاحظ‭ ‬فقط‭ ‬دور‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬ويعد‭ ‬الروائي‭ ‬الجزائري‭ ‬سمير‭ ‬قسيمي،‭ ‬أول‭ ‬جزائري‭ ‬وصلت‭ ‬روايته‭ ‬إلى‭ ‬قوائم‭ ‬البوكر‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬بلغها‭ ‬مرتين‭ (‬يوم‭ ‬رائع‭ ‬للموت2009،‭ ‬سلالم‭ ‬ترولار2020‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬ترجمت‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬داري‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬أكت‭ ‬سود،‭ ‬دار‭ ‬سوي‭.‬

ويحصد‭ ‬حاليا‭ ‬ثناء‭ ‬نقديا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬المترجمة‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬رائع‭ ‬للموت‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الروايات‭ ‬المترجمة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬عام‭ ‬2020‭.‬

ومؤخرا‭ ‬حاز‭ ‬الروئي‭ ‬الجزائري‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬عيساوي‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬البوكر‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬الديوان‭ ‬الأسبرطي‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬رافق‭ ‬تتويجه‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬حملة‭ ‬التشكيك‭ ‬والاعتراض‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروا‭ ‬التتويج‭ ‬سياسي‭ ‬وليس‭ ‬أدبي‭.‬

وعلق‭ ‬قسيمي‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحملة‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬السلطة،‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬تساهم‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نجاح‭ ‬ثقافي‭ ‬لأي‭ ‬مثقف‭ ‬جزائري‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وعيساوي‭ ‬صاحب‭ ‬موهبة‭ ‬حقيقية،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬المساندة‭ ‬والتمويل‭ ‬الذي‭ ‬يذهب‭ ‬غالبا‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الثقافية‭ ‬للمسؤولين‭ ‬المتواليين‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الثقافة‮»‬‭.‬

Most Popular

Recent Comments