سَخَر باحث مصري في الزراعة الحيوية سنوات طويلة من الدراسة في إطلاق مبادرة لتعميم الزراعة العضوية «الأورجانيك»، بدلًا من استخدام الأسمدة الكيماوية، التي لها أضرار بالغة الخطورة على صحة الإنسان والتربة والحيوان، وذلك على طريقة عالمة الفيزياء الهندية الشهيرة فاندانا شيفا التي تحولت إلى حماية البيئة والدفاع عن حق الحصول على الغذاء، لكن بشكل مختلف.
الدكتور محمد فتحي سالم، أستاذ الزراعة الحيوية في مجال الزراعة العضوية، وابن محافظة المنوفية، نجح في تحويل أبحاثه على مدار 30 عاما إلى تجارب على أرض الواقع في عدة محافظات مصرية، رغم العديد من الصعوبات والتحديات التي قابلته في نشر هذه الثقافة بين المزارعين والمواطنين، وأيضًا تحقيق عائد مناسب لهم دون استخدام أي مبيدات.
يقول سالم في حديثه لموقع «سكاي نيوز عربية»، إن حياته القروية بين الفلاحين وفي الأرض أثرت على رغباته ودفعته نحو الالتحاق بكلية الزراعة، مضيفًا أن مبادرته جاءت لدعم هذه الفئة وأيضا لمواجهة انتشار الأمراض الناتجة عن استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات.
الزراعة هي الحياة
«اكتشفت أن الزراعة هي الحياة»، يُضيف محمد فتحي سالم عائدا بالزمن لأكثر من 40 عاما عندما كان يعيش بين المزارعين ويقضي إجازته الصيفية في إحدى قرى محافظة المنوفية، موضحًا أنه رأى معاناة الفلاحين لسنوات طويلة في قرى الدلتا، خاصة العمالة اليومية في موسم حصاد القمح وجمع القطن، مؤكدًا أن الزراعة هي أساس الحياة لكنها لا تحقق ربحا للمزارع.
وتابع العالم المصري: «أخدت قراراً في أولى ثانوي بالالتحاق بكلية الزراعة ورغم حصولي على مجموع كبير يدخلني 7 كليات قمة إلا أنني أصريت على دخول كلية الزراعة»، مضيفا أنه درس 52 مادة في علوم الحياة، وحصل على الترتيب الأول على دفعته بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، كأول طالب يحقق ذلك في إنجاز علمي غير مسبوق، وعين بالجامعة لتبدأ رحلة البحث العلمي».
منحة في سويسرا
وبعد حصوله على درجة الماجستير في كلية الزراعة بجامعة المنوفية في عام 1992، قرر محمد فتحي سالم استكمال دراسة الدكتوارة في أوروبا؛ ليحصل على منحة في سويسرا كانت السبب في تغيير حياته وتخصصه إلى دراسة الزراعة الحيوية والعضوية، موضحًا أنه نجح خلال عام واحد في الإضافة إلى الجامعة التي التحق بها وهي بازل السويسرية في مجال الزراعة العضوية.
ودرس سالم 17 تخصصا في الزراعة؛ ما بين أمراض نبات وفسيولوجيا نبات، وعلوم التربة والمناخ وأرصاد جوية ورطوبة جوية والطاقة الشمسية وغيرها، ما دفعه نحو فهم أكبر لعلوم الحياة والإجابة على كافة تساؤلات الفلاحين، وأيضا الطلاب الذين يتركون باقي المحاضرات لحضور دروسه العلمية.
وحسب سالم فهناك فرق 100 عام بين الزراعة في سويسرا ومصر، موضحا أن سويسرا دولة متقدمة زراعيًا، خاصة في الزراعة الدوائية، وهو ما أثر في حياته لدراسة الزراعة العضوية والتعمق فيها، مضيفا «كنت كالقروي الساذج الذي أبهرته أضواء المدينة في سويسرا، لكن في النهاية نجحت في هذا التخصص».
وبعد حصوله على درجة الدكتوراة من جامعة بازل بسويسرا، سافر سالم إلى العديد من الدول في العالم مثل السويد والنرويج وألمانيا والنمسا وإنجلترا وفرنسا البرتغال وإيطاليا وإسبانيا وجميع الدول العربية ودول إفريقية، لدراسة علم الزراعة الحيوية والتعرف عليها بصورة أكبر، ليعود بعد ذلك إلى مصر لتطبيق ما تعلمته في الخارج.
وذكر الباحث المصري أن هذه الزيارة كشفت له أن الجامعات المصرية في وادي والتطبيق في وادي آخر؛ حيث أن الجامعات في الخارج تعمل على إنتاج أبحاث علمية تُفيد المجتمع والزراعة والفلاحين، مؤكدًا أنه بدأ في القيام بهذه الأدوار من عمل أبحاث علمية وتطبيق ذلك لإفادة المجتمع، خاصة وأن الزراعة هي قاطرة الاقتصاد المصري باعتبار أن مصر تُصنف دولة زراعية.
34 قصة نجاح
وعلى مدار أكثر من 3 أعوام عمل سالم على تعميم الزراعة العضوية في العديد من المحافظات؛ حيث أكد نجاح 34 قصة لمزارعين وفلاحين، تمكنوا من استخدام السماد الحيوي والمنتجات الحيوية بداية من زراعة مختلف المحاصيل من خضر ومحاصيل استراتيجية وصولاً إلى إنتاج داجني وحيواني، وهو ما يعد طفرة في الزراعة المصرية.
وشدد سالم على أنه إذا نجحت الحكومة المصرية في تسجيل مليون فدان «زراعة أوراغنيك» وتم تصدير منتجات هذه المساحة سيكون العائد 38 مليار دولار أي 6 أضعاف دخل قناة السويس، مشيرا إلى أن ذلك سيساهم في دعم الأمن الغذائي المصري، خاصة وأن مصر تستورد ما يقرب من 58% من احتياجاتها الغذائية.
وحسب سالم فإنه وفريقه يعد الأول في العالم باعتراف الجهات الدولية، الذي ينجح في تحقيق المعادلة الصعبة، وهي أن الزراعة الحيوية تتفوق في كمية الإنتاج والجودة مقارنة بالزراعة الكيماوية من خلال خطة متميزة مبتكرة وتناسب الزراعة في مصر.
ولفت إلى أن استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية تسبب في تزايد معدلات الأمراض بين المواطنين خاصة السرطان، مؤكدا أنه يحاول من خلال مبادرته أن ينشر ما عمله خارج مصر وأن يُساهم في مواجهة الأمراض لأن إصلاح المجتمع وأمراضه يبدأ من تناول الطعام السليم الذي يأتي من تربة سليمة.
ويعتبر سالم أن تدمير الأراضي الزراعية بالكيماويات والمواد المسرطنة وعدم خصوبة الأرض هو تدمير للإنسان وقدراته، لافتا إلى عمله أيضا على نشر الزراعة العضوية للفئات المهمشة، ومساعدة فقراء الفلاحين من خلال مشاريع زراعية تعتمد على الزراعة النظيفة.