كان الزوجان علي وأميرة قاب قوسين من طلاقهما، إثر خلافات أسرية امتدت لشهور، قبل أن يتدخل أحد أفراد أسرتهما بإرسال طلب إلى وحدة “لم الشمل” التابعة للأزهر الشريف، ليتدخل واعظ ويُقنعهم بعد ساعات من التفاوض، باستمرار حياتهم الأسرية حفاظا على مستقبل أولادهم.
هذا الأمر لم يكن سهلا بالنسبة للواعظ الأزهري، لكنه اعتاد على مثل هذا العمل منذ نحو عامين، في سبيله لإنهاء النزاعات الأسرية ومواجهة انتشار ظاهرة الطلاق، ضمن مبادرة “لم الشمل” التي أطقها الأزهر الشريف والتي نجحت في تسوية 23 ألف حالة خلاف أسري من إجمالي 25 ألف حتى 13 يناير الماضي، بحسب مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى، أسامة الحديدي، في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية”.
وتهدف وحدة “لم الشمل” الأزهرية، إلى حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك، وإزالة الخلافات بين المتنازعين، والحد من ظاهرة الطلاق التي باتت تهدد أمن الأسرة والمجتمع المصري، ونشر توعية مجتمعية وأسرية صحيحة، وتقسيم المواريث، وإنهاء النزاعات المترتبة على الاختلاف حولها، والمساهمة في إيصال الحقوق إلى أهلها.
وسجّل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، 225 ألف حالة طلاق، في آخر تقرير سنوي له لعام 2019.
وأضاف الحديدي، الذي يشرف على مبادرة “لم الشمل”، أنها تتواجد في جميع المحافظات المصريّة، بواقع 27 مقرا في المناطق الأزهرية، فيما يبلغ عدد المشرفين 54 فردا، ويتعامل معها 270 واعظا بمعدل 10 وعاظ في كل محافظة، إضافة إلى الاستعانة بأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر وعاملون بقطاع المعاهد، لمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة.
ولفت إلى المبادرة تعاملت مع 25 ألف حالة خلاف أسري حتى الآن، ضمن توجيهات الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، لنزع فتيل هذه الأزمات، مشيرًا إلى أن نسبة النجاح في إنهاء هذه الخلافات تجاوزت 95 بالمئة، لكن “هناك حالات نجد أن الانفصال هو الحل لتصحيح الأوضاع”، حسب رأيه.
وتشدد المبادرة على صياغة بنود الصلح في الخلافات والنزاعات الكبرى وما اتفق عليه الأطراف، وتدوَّن في إقرار تصالح يوقع عليه الجميع في نهاية الجلسة.
وكان الأزهر دشن نافذة خاصة عبر موقعه الإلكتروني لتسجيل طلب “لم الشمل”، موضحا به اسم المرسم، وعلاقته بصاحب المشكلة، ونوع المنازعة وملخصا لها، مع إتاحة رقم للتواصل حال استلزم الأمر ذهاب الواعظ إلى بيت الحالة.
وأبرز أسباب الخلاف الأسري، وفق الحديدي، كانت بعض الأزمات المتعلقة بالإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتي تسبب في قدر كبير من هذه القضايا، ثم ما يتعلق بأمور إنفاق الزوج على أسرته، أو التدخلات في شؤون الزوجين.
وأوضح طبيعة سير العمل في المبادرة بالقول إنه “يصل إلينا نموذجا من المشكلة متضمنا البيانات، وبها سطور مختصرة عن المشكلة، وحينها يقوم الواعظ أو المسؤول الأزهري بإعداد سيناريوهات للحل قبل ذهابه إلى الحالة، خاصة إن كانت قضايا تتعلق بالشرف أو بها شيء من التعقيد في الحل، مما يُسهل إتمام الاتفاق بين الطرفين”، مشيرا إلى الاستعانة بأخصائيين في الطب النفسي وعلم الاجتماع وعلوم الشريعة، حال الحاجة إلى ذلك.
ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل كشف مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى، عن وضع خطة استراتيجية جديدة للتوسع في عمل المبادرة “لكي نكون أسبق من عدد حالات الطلاق اليومية”.
وتابع: “سنكون في حاجة للعمل بمزيد من الكوادر الشبابية المدربة لحل 100 مشكلة للسيطرة على الأزمات الجديدة، والتدخل في وإنهاء القديم منها، بحيث لا يكون هناك تراكما للحالات”.
وأشار إلى أنه استباقا لمواجهة هذه الأزمات، أسس مركز الأزهر العالمي للفتوى برنامج التوعية الأسرية والمجتمعية، تحت شعار (أسرة مستقرة = مجتمع آمن)؛ لمواجهة التفكك الأسري، وتأهيل المقبلين على الزواج، وفق رؤية محددة أساسها تقوية بنيان الأسرة المصرية، وزيادة تماسكها وترابطها.