أبدى المغرب عزمه الرفع من القيمة المضافة للمنتوج الوطني، عبر استبدال الواردات بالمنتجات المحلية، وذلك لتخفيض الواردات من 183 مليار درهم حاليا في السنة إلى 149 مليار درهم، أي استبدال 34 مليار درهم من الواردات بمنتوجات صناعية محلية في نهاية 2023.
وأشار رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أمام أعضاء البرلمان، لطبق الطاجين كمثال، وذلك ضمن الجلسة البرلمانية الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، والمخصصة “للسياسة الحكومية لدعم المنتوج الوطني”، مطلع شهر فبراير.
وقال العثماني إن الطاجين المغربي يوجد في أكبر المواقع التسويقية العالمية، موضحا أن “هناك إعلانات على منصات البيع الإلكترونية في فرنسا وأميركا وبلجيكا تبيع الطاجين المغربي كمنتوج صحي يصنع في المغرب”.
ورفض المزاعم التي تدعي بأن الطاجين المغربي مغشوش، موضحا أن “البعض فقط يمكن أن تكون ضمنه مواد غير صحية، لكن الإنتاج الوفير صحي ويباع في المغرب وفي دول عديدة بالعالم”، لافتا لضرورة دعم المنتجات المغربية وعدم تبخيسها بالمقارنة مع المنتجات المستوردة.
ويسعى المغرب إلى مواكبة ما يناهز 500 مشروع إنتاجي لتحقيق هدف تعويض 34 مليار درهم من الصادرات في نهاية 2023.
وتوصلت وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي لحد الآن لـ634 مشروعا، احتفظت منها بـ259، تمثل فرصة لتعويض واردات بقيمة 17.4 مليار درهم، أي ما يمثل حوالي 51 في المئة من الهدف المحدد.
وأكد المحلل الاقتصادي والمالي، زكريا الكرتي، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “رد الاعتبار للمنتوج الوطني، بعيدا عن الشوفينية والمشاعر الوطنية، مرتبط بالضرورة بدعم تنافسيته سواء وطنيا أو دوليا. وقد أظهرت الأزمة التي فرضتها جائحة كورونا، أهمية ما يسمى بالسيادة الصناعية أو الاقتصادية. أي أن الدول يجب أن تعتمد على نفسها وتحفّز اقتصاداتها حتى لا تبقى رهينة باقتصادات دول أخرى”.
وأضاف زكريا أن دعم الصناعة المحلية “مرتبط باعتماد الدول لسياسة حمائية، وهي سياسة عادة ما تفشل، لأن الدول الأخرى ستعاملنا بالمثل، ونحن مثلا في المغرب في حاجة للتصدير”.
وتابع قائلا: “يجب إذن تجنب السياسة الحمائية، وتعويضها بمنح المنتوج الوطني امتيازات ضريبية، أو دعمه بشكل مباشر، أي تسهيل إجراءات الاستثمار فيه.”
ومن جهته، شدد عبد الحي الغربة، الباحث في العلوم الإدارية والمالية، على أن الأولوية يجب أن تعطى لدعم المقاولات الوطنية بمنحها مساعدات مالية وإجراءات جبائية مصاحبة لها، بالإضافة إلى ضرورة الرفع من الرسوم الجمركية بالنسبة للواردات الأجنبية المنافسة للمنتوج الوطني.
كما دعا الباحث في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى ضرورة النهوض بالتكوين وعصرنة المقاولات الوطنية استجابة لمستجدات التنافسية الاقتصادية، لافتا لأهمية مواكبة المقاولات المتضررة من جائحة كورونا عبر تبسيط المساطر الإدارية ومنحها فرصا للاستثمار، وسنّ تدابير تشريعية وإجراءات حكومية مواكبة على شاكلة قرض “أوكسين” الذي أطلقته الحكومة خلال فترة الطوارئ الصحية.
وأكد الغربة على وجوب اعتماد تدبير وقائي حمائي للاقتصاد الوطني لصالح المقاولات الاقتصادية الوطنية، مشيرا إلى أن السؤال المطروح هنا، هو إمكانية وقدرة المقاولات على سد الفراغ الذي سيخلقه تقليص الواردات.
وأوضح أن “التدابير الحكومية المتخذة زمن الجائحة كانت كلها تصب في اتجاه خفض الواردات، مما يُفهم معه تحويل الاعتمادات المخصصة لها نحو دعم المقاولات الوطنية، غير أن المعطيات المسجلة تشير إلى ارتفاع قيمة واردات المنتجات الغذائية بنسبة قاربت 27 في المئة خلال النصف الأول من سنة 2020، بعد أن بلغت 31.57 مليار درهم مقابل 24.87 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي 2019، أي بزيادة بقيمة 6.7 مليارات درهم في ظرف ستة أشهر”.
ومن أجل تجويد المنتوج الوطني، حتى يكون تنافسيا ويحظى بجاذبية أكبر، دعا الغربة، إلى ضرورة مراقبة الوحدات الصناعية من حيث احترامها لعناصر الجودة في منتوجها، وسنّ تدابير تحفيزية للمقاولات المجتهدة وزجر تلك التي لا تحترم معايير التصنيع سواء من حيث شروط الإنتاج وحقوق العمال، والحفاظ على سلامة مواردها البشرية خلال فترة الطوارئ الصحية، كما يتعين، حسب الباحث، سن تدابير جبائية تعطي الأولوية والأسبقية للمنتوج الوطني ثم العمل على فتح وحدات إنتاجية أجنبية داخل التراب الوطني يكون منتوجها موجها للداخل من جهة، ومن جهة ثانية يوفر فرص شغل لليد العاملة المحلية وينعش إقتصاديات مناطق تعيش البطالة وتشكل بذلك نقاط جذب صناعي واقتصادي.
وبالنسبة للمحلل الاقتصادي، زكريا، فإن الكلمة المفتاح تبقى دعم التنافسية وذلك عن طريق تجهيز الشركات المغربية بمعدات عصرية وإعطاء أولوية للبحث العلمي.
وقام المغرب مؤخرا بتبني مجموعة من المواصفات تهم عددا من فروع الصناعة خصوصا منها التقليدية، التي تتعرض للمنافسة الأجنبية والتي يفوق عددها اليوم 300، من بينها 13 إجبارية التطبيق لها علاقة بالصحة والسلامة، هدفها الأساسي حماية المستهلك وتشجيع استهلاك المنتوج الوطني.
وشددت الحكومة أيضا على ضرورة مواصلة تنفيذ مضامين الاستراتيجية الوطنية لشارات الجودة لمنتجات الصناعة التقليدية، مبرزة أن القطاع يتوفر على أكثر من 60 علامة جماعية للتصديق، تم تسجيلها لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية لحمايتها وطنيا، وكذلك دوليا بالاتحاد الأوروبي وبالولايات المتحدة، وإقليميا بإفريقيا، وذلك للمحافظة على المنتوج الحرفي من جهة والرفع من جودته وتنافسيته من جهة أخرى.