لحظات صعبة لكنها ممتعة، يعيشها علام إسماعيل علام، الموظف في المعهد القومي للبحار بالغردقة، في تحنيط الكائنات البحرية النافقة، منذ ما يزيد على 3 عقود، ليصبح أقدم محنط متخصص يملك هذه الخبرة في مصر، ويُدرب عليها آخرين من مصر ودول أجنبية.
ويعمل إسماعيل ابن مدينة نجع حمادي، بمحافظة قنا في صعيد مصر، منذ 33 عاما في عمليات التحنيط، حيث انتقل للعمل في معهد علوم البحار بمدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر كعامل تحنيط، وهو المعهد الأقدم في مصر والشرق الأوسط، ويضم محنطات بحرية نادرة، والبعض منها منقرض.
يقول علام إسماعيل في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية، إنه يعمل في تحنيط الكائنات البحرية منذ عام 1987، بعد التحاقه بمتحف علوم البحار في الغردقة التي انتقل للإقامة بها بعد ذلك، موضحا أنه بذلك أصبح أقدم محنط متخصص في هذا المجال بعد تعلمه المهنة على يد سابقين بعضهم توفي والبعض الآخر بلغ السن القانوني للمعاش منذ فترات طويلة.
وأضاف «هي وظيفة وخبرة، أخذت فترة ودخلت الصنعة»، موضحا أن هذه المهنة تحتاج إلى من يحب العمل فيها لوجود الكثير من التحديات التي لا يستطيع كثيرون تحملها، لافتا إلى أنه يُعلم الآن 3 آخرين انضموا حديثا للعمل لأنه سيخرج خلال العام الجاري على المعاش.
وتضم عمليات التحنيط جميع الكائنات البحرية خاصة النادرة أو التي انقرضت بالفعل، وعلى رأسها عرائس البحر، وأسماك القرش بأنواعها، والطيور البحرية، والسلاحف والتي يعود بعضها إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
تطور تقنيات التحنيط
وحسب علام هناك تطور كبير في عمليات التحنيط منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن: «كل مهنة فيها تطوير واخترعنا حاجات جديدة وأفضل»، موضحا أن الطريقة البدائية كانت عبارة عن سلخ الكائن البحري وتنظيف البطن بمادة تدعى «البوركس» وبعدها يتم الحشو بالجبس ثم التخييط.
ولهذه الطريقة الكثير من السلبيات، حيث أوضح أن وزن الكائن المحنط بالجبس يكون ثقيلا ويصعب نقله، بالإضافة إلى أن الجبس يُفقد الكائنات ألوانها الطبيعية، وهو ما جعل هذه العملية تتلاشى بصورة كاملة خلال السنوات الأخيرة.
وتحولت عمليات التحنيط إلى طريقة جديدة، وهي استخدام مواد أخرى مثل قش الأرز والقطن والفوم والإسفنج، موضحا أنه بعد التخييط وتجفيف الزعانف يتم دهنها بـ «الورنيش الشفاف»، للحفاظ على اللون وإعطائها لمعة، بالإضافة إلى تصنيع عين ورسمها بنفس شكل عين السمكة الأصلي.
وحول الوقت الذي تستغرقه عملية التحنيط، أضاف علام أن ذلك يُحدده حجم ونوع الكائن البحري وعدد فريق العمل، مضيفا أنه استغرق 15 يوما في تحنيط حوت من فصيلة الدولفين طوله 5 أمتار ووزنه طنين، موضحا أنه بدأ بسلخه وإزالة اللحم والبطن وتم حشوه بنشارة خشب وتم عرضه خلال عام 2020.
وخلال أكثر من 30 عاما، نجح علام في تحنيط ما يقرب من 100 عينة من أسماك وأسماك القرش وطيور وغيرها مختلفة الأحجام والأشكال، مضيفا أن أكبر الكائنات البحرية التي حنطها هي عروس البحر والحوت من فصيلة الدولفين.
تعلُّم المهنة
ولم يحالف الحظ علام في استكمال تعليمه الذي اقتصر على المؤهل المتوسط، لكن حبه في مهنة التحنيط جعله متميزا ويعطي دورات تدريبية في فن تحنيط الكائنات البحرية لوفود محلية من محافظات مصرية على رأسها بورسعيد، وأيضا وفود أجنبية من دولة باكستان.
ولا توجد مدارس أو معاهد لتعليم التحنيط في مصر، حسب علام، الذي يرى أن هذه المهنة يورثها جيل إلى آخر ولا توجد أي أماكن لتعليم هذه المهنة، موضحا أنه تعلم المهنة من 8 أشخاص كانوا من كبار المحنطين في القرن الماضي «مش أي حد يتعلم المهنة، محتاجة شخص يكون حاببها».
ويشير إلى أن هناك أشخاص لا يستطيعون تقبل المهنة لأن الأسماك تكون في أوقات كثيرة ذات رائحة كريهة صعب تحملها بسبب حالة التعفن، أو جلدها تعرض للتحلل، لكنها في حاجة لتحنيطها لأنها نادرة أو مهددة بالانقراض.