حالة واسعة من القلق والتوتر يعيشها سكان منطقة الزمالك بالقاهرة، شاطرهم فيها المهتمون بالتراث، منذ الإعلان عن إنشاء مشروع «كايرو آي» أو «عين القاهرة».
وبعد تدشين المشروع في 21 يناير الماضي، اتسعت مساحات الغضب لتنتقل من وسائل التواصل ووسائل الإعلام، إلى أروقة البرلمان المصري، إذ شهدت قاعته، الخميس الماضي، جلسة حامية وجه فيها نواب انتقادات لاذعة إلى المشروع.
وجاءت الانتقادات بعد التشكيك في جدوى المشروع الاقتصادية، إضافة إلى التخوف من تشويه هوية منطقة الزمالك التاريخية.
ولم تتوقف الانتقادات فقط عند النواب، والناشطين في مجال التراث، وقاطني منطقة الزمالك، إذ دخلت شخصيات عامة على الخط.
وقال عمرو موسى، السياسي المصري البارز، في بيان نشره على صفحته بموقع «فيسبوك»، إنه يرفض المشروع، «الذي يقام في منطقة مكتظة بالسكان، وعلى أرض حديقة تراثية تاريخية يجب الحفاظ عليها، وعدم المساس بها (…)».
وفي ذات الاتجاه انتقد رجل الأعمال، نجيب ساويرس، المشروع ، واصفا «عين القاهرة»، بالمشروع الجيد في المكان الخطأ، إذ إنه سيعطل حركة المرور في مدخل الزمالك، مقترحا نقل المشروع إلى العاصمة الإدارية.
أما الإجراءات التي شهدها البرلمان المصري، فتمثلت في طلب إحاطة تقدم به النائب أشرف حاتم رئيس لجنة الشؤون الصحية، إلى وزير التنمية المحلية، ومحافظ القاهرة بخصوص المشروع، باعتبارهما أصحاب الولاية على هذا المشروع.
وتقدمت النائبة داليا السعدني بسؤال لوزير السياحة والآثار، عن علاقة الوزارة بالمشروع، بعد حضوره حفل وضع حجر الأساس، مما استدعى نفي الوزير علاقة وزارته بالمشروع.
المشروع في حديقة المسلة
ومشروع العجلة الدوارة (عين القاهرة)، هو أحد المشروعات الاستثمارية التي أعلنت شركة للسياحة والاستثمار عن إنشائه مؤخرا، ووضع حجر أساس المشروع، بمشاركة مسؤولين حكوميين، على رأسهم محافظ القاهرة، ووزير السياحة والآثار.
وبحسب شركة «هاواي» للسياحة والاستثمار، فإن مشروعها يُعد أول عجلة ترفيهية وسياحية دوارة في القاهرة، والأكبر من نوعها في قارة إفريقيا، على ارتفاع 120 مترا.
ومن المقرر إطلاق المشروع عام 2022، وينتظر أن يجتذب «عين القاهرة» نحو 2.5 مليون سائح سنويا، طبقا للشركة.
وأثناء وضع حجر أساس المشروع، تعهد رئيس مجلس إدارة الشركة بالحفاظ على كافة الأشجار والنخيل في الحديقة، والعمل على زيادة إجمالي المساحات الخضراء بالمشروع بنسبة 15 في المئة، لتصل إلى 7000 متر مربع بدلا من من 6100 متر مربع.
ومن المزمع إقامة المشروع على أرض حديقة المسلة العريقة، في منطقة الزمالك، غربي القاهرة.
وتصف الهيئة العامة للاستعلامات حديقة المسلة، بأنها أحد أهم الحدائق الأثرية الهامة في القاهرة، فهي تحتوي على كنوزًا وثروات مصرية أكثر من رائعة ومقصد سياحي هام.
انتقادات برلمانية
وفي سياق الانتقادات البرلمانية للمشروع، تقول النائبة المصرية داليا السعدني، إن «عين القاهرة» مشروع استثماري، وليس مشروعا سياحيا، ويجب ألا يتم تسويقه باعتباره مشروعا قوميا، لافتة إلى أن دور البرلمان مساعدة المستثمرين من خلال التشريعات، «فليس هناك عيبًا أن ندعم المستثمرين».
وتضيف البرلمانية المصرية في حديث خاص لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن المعلومات المقدمة عن المشروع غير مكتملة ولا تتسم بالوضوح الكافي، مؤكدة أنها ترفض المشروع على عدة أصعدة.
تُعدد السعدني أسباب رفضها للمشروع؛ يأتي على رأسها، أن هذه المنطقة تمثل عنق الزجاجة لمدخل منطقة الزمالك،
وبالتالي سوف يتسبب المشروع في تكدس مروري، خاصة أن الشركة أعلنت أن المشروع يستقبل 2.5 مليون سائح في العام، مما يعني وصول 7 آلاف شخص في اليوم الواحد.
وتؤكد السعدني أن أرقام الشركة «غير منطقية»، فمع وجود 2.5 مليون ونصف زائر سنويا، يعني أن المشروع يعمل لمدة 20 ساعة، بحيث يستقبل 350 زائر كل ساعة، وهذه أرقام لن تتحقق في الواقع.
وتتابع: «هناك أسباب بيئية أخرى تستدعي التوقف عندها، هناك تلوث سمعي وبصري وجوي سوف ينتج بالضرورة عن هذا المشروع».
وتبدي النائبة تعجبها من تصريحات رئيس مجلس إدارة الشركة بأن المشروع سيرفع نسبة المساحات الخضراء بنسبة 15%، وتتساءل كيف سيتم زيادة المساحات الخصراء، بعد بناء المنشآت بالحديقة؟! مؤكدة أنها مهندسة معمارية وتدرك أن هذه الوعود ليس لها أساس من الصحة.
وعن سؤالها لوزير السياحة والآثار في جلسة البرلمان، تقول السعدني إن الوزير ليس المختص بالمشروع، لكنه حضر حفل وضع حجر الأساس، وهو بذلك يعطي شرعية للمشروع من أحد رموز الدولة، مشيرة إلى أن حديقة المسلة مسجلة باعتبارها حديقة ذات طابع متميز، ناهيك عن أنها تقع في منطقة الزمالك، التي لها اشتراطات خاصة.
وتوضح: «من ضمن الاشتراطات الخاصة لمنطقة الزمالك، أن الحدائق العامة لا يجوز إقامة منشآت بها، تتجاوز نسبة 2% من مساحتها، مؤكدة على أن هذا الشرط غير متحقق من واقع الفيديو الترويجي، التي بثته الشركة المنفذة.
تشويه حديقة المسلة
المعمارية المصرية ابتسام الجيزاوي، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، تقول إنها لم تكن تعارض المشروع في البداية، وكانت تنظر له بحياد، لكن بعد التفاعل مع القضية، وإثارتها في جمعية المعماريين المصريين، بدأت تكوّن رأيا يخالف إنشاء المشروع.
وتضيف في حديثها لموقع «سكاي نيوز عربية» أنها زارت حديقة المسلة لتقف على ما يحدث على أرض الواقع، وصدمت مما رأته، لافتة إلى نقل جميع الآثار الموجودة بالحديقة، ولم يعد بها سوى تمثالين مقلدين، إضافة إلى تدمير الأرضيات القديمة، فيما يجري تشييد بنايات صغيرة ليس لها علاقة بروح المكان.
وتلفت الجيزاوي إلى أن هذا المشروع يُعد تغييرا للمخطط العمراني لمنطقة الزمالك، ليبدو المشروع في النهاية كأنه مُقحم على المكان، مضيفة أن ادعاء اتاحة المشروع للزائرين مشاهدة معالم القاهرة من مكان مرتفع، ليس منطقيا؛ خاصة أن لدينا برج القاهرة، الذي يوفر رؤية القاهرة.
نفي رسمي لخبر إيقاف المشروع
وفي أعقاب الكلمة التي ألقاها وزير السياحة والآثار خالد العناني بمجلس النواب، تداولت وسائل إعلام نبأ مفاده أن مشروع قد توقف، وهو ما نفته نيفين العارف، المتحدثة باسم الوزارة.
وتقول العارف لموقع «سكاي نيوز عربية» إن الدكتور خالد العناني، أكد أمام البرلمان أن الوزارة ليس لها علاقة بمشروع «عين القاهرة» لافتة إلى أنه حضور الوزير حفل المشروع جاء ضمن دعوة رسمية.
وتضيف أن ما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن إيقاف hلمشروع ليس له أساس من الصحة، مؤكدة أن المعلومة فُهمت خطأ، فكل ما قاله الوزير أن المشروع لا يتبع الوزارة، وبالتالي ليس هناك صلاحية للموافقة أو الإيقاف.
وبخصوص نقل الآثار من حديقة المسلة، تشير العارف إلى أن نقل المسلة حدث منذ أكثر من عام؛ حيث نقلت إلى مدينة العلمين، ولا يوجد عمليات نقل حديثة للآثار.