في ظل عجز مالي بلغ 11.5 في سنة 2020، ودين عام تجاوز 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي تدرس الحكومة التونسية وفقا لتصريحات وزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار علي الكعلي إمكانية إصدار سندات قد تصل إلى ثلاثة مليارات دولار كما تسعى للحصول على ضمان قرض أميركي بمليار دولار وقد تصدر أيضا صكوكا بالسوق المحلية بقيمة 300 مليون دينار وتلتجأ إلى إصدار صكوك بالسوق الدولية.
وقال الكعلي خلال جلسة استماع له في لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب بالبرلمان أنّ صلاحياته لا تسمح بأن يُفوّت أو يبيع المؤسسات العمومية والبنوك وذلك في توضيح لتصريحاته المتعلقة باعتزام الحكومة اتخاذ إجراءات وإصلاحات تشمل التخفيض في كتلة الأجور وحجم الدعم في المواد الأساسية والتفويت في عدد من المؤسسات العمومية والتي أثارت جدلا واسعا.
وعبّر رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية في مجلس نواب الشعب هيكل المكي (عن حركة الشعب وينتمي للكتلة الديمقراطية المعارضة) عن رفض كتلته البرلمانية رفضا مطلقا الحديث في القضية بهذه البساطة حسب وصفه واعتبرها “قضية كبرى تستوجب عقد حوار وطني من أجل إنقاذ المؤسسات العمومية وحكومتها وإنعاشها وليس من أجل بيعها بأبخس الأثمان تطبيقا لأوامر صندوق النقد الدولي”.
وأكد النائب في تصريح لسكاي نيوز عربية أن المس من أجور العمال والموظفين خط أحمر وأنه على الدولة إيجاد حلول أخرى بعيدا عن حقوق المواطنين الذين تفقروا وتدهورت حالتهم الاجتماعية بسبب فشل كل الحكومات المتعاقبة.
وكشف أن كل النواب أعضاء لجنة المالية طلبوا من وزير المالية خلال جلسة استماع له “التريث والتحلي بالحكمة والرصانة في هذا الظرف الخانق حتى لا يصب الزيت على نار الاحتجاجات الشعبية”.
وأفاد هيكل المكي بأن العقل السياسي الذي يقود المرحلة في البلاد هو عقل فاشل وهو عقل تقليدي “ولا يمكنه أن يستنبط حلولا غير تقليدية لواقع غير تقليدي، نحن في حاجة إلى قيادة شجاعة وذكية جدا تستثمر إمكانيات البلد الكبيرة فمشكلتنا أن الحلول متوفرة ولكن الإرادة غائبة” وفق تعبيره
وتحدث النائب عن أهمية الموقع الجغرافي لتونس وكيف أنه قادر على خلق الثروة مؤكدا على أن القرار السيادي للدولة يرتهن لمخططات صندوق النقد الدولي وأن كل الحكومات لم تعمل على إيجاد منوال جديد للتنمية يبني دولة قوية ومسؤولة وإنما كلها اختارت إجراءات قاسية على حساب الشعب المهمش والمناطق المفقرة؛ مؤكدا أن “كل ذلك يجب أن يتوقف وينتهي”.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل عبّر في كل المناسبات عن رفضه لأي تفويت وبيع للمؤسسات العمومية أو مس من أجور الطبقة الشغيلة التي من المقدر أن تبلغ أكثر من 20 مليار دينار هذا العام.
الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان شرح أن ما أعلن عنه وزير المالية هي إجراءات تهدف للتحكم في نفقات الدولة التي تضخمت بشكل كبير جدا فاق قدرة الاقتصاد التونسي وذكّر في تصريح للموقع أنه طيلة السنوات الماضية لم تتمكن تونس من تحقيق أي نمو، ثم إنه خلال بعنوان عام 2020 ينتظر أن تسجل البلاد انكماشا اقتصاديا شديدا في حدود 10% في الأثناء واصلت نفقات الدولة خلال هذه السنوات ارتفاعها بمعدل 22%،
وتشير المعطيات الرسمية أن ميزانية الدولة التونسية كانت في حدود 18 مليار دينار سنة 2010 وأصبحت 53 مليار دينار كتقديرات أولية لسنة 2021 أي أنها تضاعفت ثلاث مرات.
وكانت ميزانية الدولة خلال سنة 2010 تمثل 28% من الناتج الداخلي الإجمالي بينما أصبحت اليوم تستأثر ب 48% منه أي أن حوالي نصف ما ينتجه الاقتصاد الوطني من ثروات توجه لتغطية نفقات الدولة.
ومن المؤشرات الأخرى على تضخم نفقات الدولة التونسية تراجع حجم الاستثمارات العمومية ففي سنة 2010 كان حوالي ربع الميزانية يخصص للاستثمارات العمومية الكبرى في المقابل خلال سنة 2021 لن يتعدى حجم الموارد المخصصة للاستثمار العمومي والمشاريع التنموية 1.5 مليار دينار أي ما يعادل 3% فقط من حجم الميزانية العامة.
ويضيف الخبير عز الدين سعيدان أن أهم بند في ميزانية الدولة وهو كتلة الأجور للوظيفة العمومية و”أصبح فعليا يشكل عقبة كبيرة جدا في طريق علاقة تونس مع صندوق النقد الدولي باعتبار أنها الأعلى في العالم وتكون بذلك الإدارة التونسية هي الأغلى في العالم نسبة إلى حجم الاقتصاد”.
“بات واضحا أنه لا يمكن أن نستمر في هذه الطريق المسدودة لا بد لنا إلى جانب البحث عن موارد لتمويل الميزانية محاولة السيطرة على نفقات الدولة وترشيدها ويبقى الإشكال هو في اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ الإصلاحات نحن في الفترة الأخيرة نعيش أوضاعا صعبة جدا اقتصاديا وماليا وخاصة اجتماعيا”
وقدّر الخبير الاقتصادي أن تونس لم تحسن إدارة الأزمة الناجمة عن انتشار جائحة كورونا ما تسبب في خسائر كبيرة في مواطن الشغل وفي عدد المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي أغلقت أبوابها ويقول “كيف للحكومة أن تقرر في هذا الظرف الاجتماعي المتردي والمحتقن تقليص عدد الموظفين والتخفيض في الأجور من ناحية وترشيد نفقات صندوق دعم المواد الأساسية من ناحية ثانية وبيع عدد من المؤسسات العمومية من ناحية ثالثة”
واعتبر عز الدين سعيدان أنها اجراءات وإصلاحات من شأنها أن تزيد من تأجج الوضع الاجتماعي “طبعا كل ذلك في إطار وضع سياسي معطّل ومعقد، نحن نمر بأزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ تونس فرضت على الحكومة بذل كل الجهد لحل الأزمة السياسية والتعامل معها عوض التركيز على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضاف أن ما نعيشه اليوم هو “نتيجة لخياراتنا وسياساتنا وعلينا تحمّل التبعات وتقديم التضحيات الضرورية وإنقاذ الاقتصاد الوطني والتجربة التونسية، لقد أضعنا فرصا كبيرة ووقتا ثمينا جدا الآن لم يعد أمامنا سبيل آخر يجب أن يجلس كل الفاعلين إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة وخطوط حمراء ويتفقوا على الإطلاق فورا في تطبيق الإصلاحات، لقد وصلنا إلى مرحلة ضرورة إرجاع الأمانة إلى أصحابها أي الشعب صاحب السلطة بإجراء انتخابات مبكرة ولكن بعد تنقيح عميق للقانون الانتخابي”.
وتواجه الحكومة التونسية ضغوطا من صندوق النقد الدولي للشروع سريعا في عدد من الإصلاحات وصفت بالموجعة وحث الصندوق على احتواء الأجور والتمويلات الحكومية لفائدة المؤسسات العمومية وخفض الدعم، وستحتاج تونس في 2021 قروضا بنحو 19.5 مليار دينار
ومن المتوقع أن تصل مدفوعات الديون المستحقة إلى 16 مليار دينار.