الرئيسيةمنوعات عالميةالأب شحاتة قنواتي.. كلمة السر في الحوار بين الأديان

الأب شحاتة قنواتي.. كلمة السر في الحوار بين الأديان

الأب‭ ‬جورج‭ ‬شحاتة‭ ‬قنواتي‭.. ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬رموز‭ ‬التسامح‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬و»كلمة‭ ‬السر‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان،‭ ‬كأقصر‭ ‬السبل‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬المنشود‭ ‬بينهم‭.‬

وقد‭ ‬ورد‭ ‬اسم‭ ‬الأب‭ ‬شحاتة‭ ‬قنواتي،‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬الأخوة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬فبراير‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإماراتية‭ ‬أبوظبي،‭ ‬بين‭ ‬بابا‭ ‬الفاتيكان،‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس،‭ ‬وشيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب‭.‬

ويعتبر‭ ‬الأب‭ ‬قنواتي‭ ‬مفكرا‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬سبيلا‭ ‬لبناء‭ ‬جسور‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الكونية،‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بيد‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬السلم‭ ‬العالمي‭.‬

الأب‭ ‬قنواتي،‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬وراهب‭ ‬دومينيكاني،‭ ‬ولد‭ ‬بالإسكندرية‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬يونيو‭ ‬1905،‭ ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬يناير‭ ‬1994،‭ ‬ويمثل‭ ‬إحدى‭ ‬القامات‭ ‬الفكرية‭ ‬المصرية‭.‬

كان‭ ‬معنيا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حياته‭ ‬العلمية‭ ‬بدراسة‭ ‬الصيدلة؛‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الفلسفة‭ ‬واللاهوت،‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬واللاهوت‭.‬

وانضم‭ ‬قنواتي‭ ‬إلى‭ ‬الرهبان‭ ‬الدومينيكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبلجيكا،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬1936‭ ‬ليؤسس‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستشراقية‭ ‬التابع‭ ‬لدير‭ ‬الدومينيكان‭ ‬بالقاهرة‭. ‬وقدّم‭ ‬مدرسة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬انضم‭ ‬إليها‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بضرورة‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬الآخر‭ ‬عقديا‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬دافع‭ ‬الأب‭ ‬قنواتي‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬وبقية‭ ‬الأديان‭ ‬دفاعا‭ ‬مجيدا،‭ ‬وقضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬عاما‭ ‬ينشر‭ ‬العلم‭ ‬والفكر‭ ‬والثقافة‭.‬

قدم‭ ‬الراهب‭ ‬الدومينيكاني‭ ‬أيضا‭ ‬عدة‭ ‬مؤلفات‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬التسامح‭ ‬والحوار،‭ ‬ومنها‭ ‬فلسفة‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬بين‭ ‬المسيحية‭ ‬والإسلام،‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬لويس‭ ‬غارديه،‭ ‬مبينا‭ ‬أهمية‭ ‬اللقاء‭ ‬بين‭ ‬المسيحية‭ ‬والإسلام‭ ‬في‭ ‬قيم‭ ‬المحبة‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬بالتعاون،‭ ‬وليس‭ ‬التنافر‭ ‬والتناحر‭.‬

ويحسب‭ ‬للأب‭ ‬قنواتي،‭ ‬أنه‭ ‬لعب‭ ‬دورا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬أهم‭ ‬وثيقة‭ ‬للحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان،‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬مجمع‭ ‬الفاتيكان‭ ‬الثاني،‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬في‭ ‬حاضرات‭ ‬أيامنا‮»‬،‭ ‬أو‭ ( ‬NOSTRA AETATE‭)‬،‭ ‬وخص‭ ‬فيها‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭.‬

ومن‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬أهم‭ ‬وثيقة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭.‬

المفكر‭ ‬المصري،‭ ‬إميل‭ ‬أمين،‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬توقيع‭ ‬وثيقة‭ ‬الأخوة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أبوظبي،‭ ‬كانت‭ ‬نتاج‭ ‬الجذور‭ ‬التاريخية‭ ‬للوثيقة‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬السابقة،‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المجمع‭ ‬الفاتيكاني‭ ‬الثاني‭ (‬1962‭ – ‬1965‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬في‭ ‬روما،‭ ‬والمعروفة‭ ‬باسم‭ (‬في‭ ‬حاضرات‭ ‬أيامنا‭)‬،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬فتح‭ ‬جديد‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬بين‭ ‬الكنيسة‭ ‬الرومانية‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬بين‭ ‬المسيحية‭ ‬الغربية‭ ‬والإسلام‭ ‬الشرقي‮»‬‭.‬

وحول‭ ‬الأب‭ ‬قنواتي،‭ ‬يقول‭ ‬أمين‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬‭: ‬‮«‬الأب‭ ‬قنواتي‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬وعلوم‭ ‬اللاهوت،‭ ‬وكلفته‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بجمع‭ ‬تراث‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬اسم‭ ‬الرجل‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬في‭ ‬المجامع‭ ‬العلمية‭ ‬الدولية،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معروفا‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‮»‬‭.‬

ويضيف‭: ‬‮«‬كونه‭ ‬مسيحيا‭ ‬شرقيا‭ ‬قضى‭ ‬الجزء‭ ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الإسلام،‭ ‬فقد‭ ‬جعله‭ ‬مفهوما‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المسيحي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعد‭ ‬أمرا‭ ‬نادرا،‭ ‬كما‭ ‬قدم‭ ‬مساهمة‭ ‬كبيرة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بظهور‭ ‬المجادلة‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬والديانات‭ ‬غير‭ ‬المسيحية‭ ‬خلال‭ ‬المجمع‭ ‬الفاتيكاني‭ ‬الثاني،‭ ‬مساعدا‭ ‬بذلك‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬رؤية‭ ‬إيجابية‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‮»‬‭.‬

ولفت‭ ‬أمين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأب‭ ‬قنواتي‭ ‬فهم‭ ‬مبكرا‭ ‬أن‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬الإسلام‭ ‬سيكون‭ ‬أكثر‭ ‬يسرا‭ ‬لو‭ ‬وضعنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الثقافي‭ ‬وليس‭ ‬الديني‭ ‬البحت،‭ ‬ولعل‭ ‬كونه‭ ‬متخصصا‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬العربية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالعصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬جعله‭ ‬مدركا‭ ‬لما‭ ‬تقاسمه‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬الماضي‮»‬‭.‬

وتابع‭: ‬‮«‬اختار‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يتواصل‭ ‬بعمق‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثقافته‭ ‬وحضارته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬الأب‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬بيرينيز‭ ‬الدومنيكاني‮»‬‭.‬

واستطرد‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬قد‭ ‬تطرق‭ ‬لعلاقة‭ ‬المسيحية‭ ‬بالإسلام،‭ ‬وهنا‭ ‬ظهر‭ ‬قنواتي‭ ‬في‭ ‬لوبي‭ ‬حقيقي،‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬لحظاته‭ ‬المحاضرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬نوفمبر‭ ‬1963‭ ‬في‭ ‬الأنجيليكوم،‭ ‬الجامعة‭ ‬الدومنيكية‭ ‬في‭ ‬روما،‭ ‬وكان‭ ‬موضوعها‭ (‬الإسلام‭ ‬وقت‭ ‬المجمع‭ ‬الفاتيكاني‭ ‬الثاني‭: ‬بداية‭ ‬حوار‭ ‬إسلامي‭ ‬مسيحي‭)‬‮»‬‭.‬

ونوه‭ ‬أمين‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحاضرة‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬كرادلة‭ ‬وأساقفة‭ ‬ولاهوتيين‭ ‬حاضرين‭ ‬وقادرين‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬المجمع‭ ‬الفاتيكاني‭ ‬الثاني،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الطالع،‭ ‬فإن‭ ‬الجالس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬البابوية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كان‭ ‬البابا‭ ‬بولس‭ ‬السادس،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬محل‭ ‬المحاضرة،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬لأساقفة‭ ‬ميلانو‭ ‬فإنه‭ ‬صرح‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بالقول‭: (‬سيأتي‭ ‬وقت‭ ‬يتوجه‭ ‬فيه‭ ‬البابا‭ ‬بالحديث‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين‭ ‬مثلما‭ ‬توجه‭ ‬بالحديث‭ ‬إلى‭ ‬الأرثوذكس‭)‬‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬تنجح‭ ‬جهود‭ ‬قنواتي‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬وثيقة‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬رؤية‭ ‬العالم‭ ‬المسيحي‭ ‬للإسلام،‭ ‬يتبعها‭ ‬تخليد‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬الوثيقة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬وثيقة‭ ‬الأخوة‭ ‬الإنسانية‮»‬‭.‬

Most Popular

Recent Comments