في آخر عملية جرد للمواقع الأثرية، أحصت الجزائر 15200 موقعا أثريا وقد تم إدراج تلك المواقع في خريطة للمواقع الأثرية، أشرف على إعدادها الخبراء وعلماء الآثار والباحثين الجزائريين من خلل مراجعة الخرائط الوطنية، بالتنسيق مع المؤسسات البحثية التابعة لوزارة الثّقافة.
وخلص الجرد إلى أن عدد المواقع الأثرية في الجزائر اليوم أضعاف عدد المواقع التي أحصاها “الأطلس الأثري”، الذي أنجزه عالم الآثار الفرنسي المتخصص بـ”أفريقيا الرومانية”، ستيفان غزيل عام 1911.
وتضم الخريطة الوطنية لآثار البلاد سياقات تاريخيّة وخيارات أيديولوجية تسمح بالتعريف بنتائج أزيد من 120 سنة من البحث والاكتشافات الأثريّة عبر الوطن، وقد قامت بجرد كنوز من التراث يمتد عمرها إلى 2.5 مليون سنة.
والأمر يتعلق بآثار هامة ومواقع تاريخية، وهي تضم 7 آلاف موقع، منها 4700 موقع أثري يعود تاريخه إلى ما قبل التاريخ، ما يجعل من هذه الخريطة الجديدة أهمية كبيرة على عدة مستويات، كما يؤكد مدير المركز الوطني للبحث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ الباحث فريد خربوش.
حدث تاريخي كبير
وقال الباحث فريد خرطوش لـ”سكاي نيوز عربية”: “هذا الإحصاء هو حدث تاريخي مكن الجزائر من تصحيح الخريطة الفرنسية القديمة التي يعود تاريخها إلى عام 1911، وقد تضاعف عدد المواقع الأثرية مقارنة بالخريطة القديمة”.
ويلخص خربوش أهمية الخريطة في 4 محاور، وقال: “الأهمية الأولى تكمن في البحث العلمي في مجال الآثار كعلم، أما الأهمية الثانية فهي تتعلق بالبعد السياحي، أما الأهمية الثالثة فلها علاقة مرتبطة بشكل مباشر بقطاع الأشغال العمومية حيث تحمي هذه الخريطة المنشآت الأثرية، وتحمل الأهمية الرابعة بعدا أمنيا حيث تحمي هذه الخريطة الأمن القومي والحدود التاريخية للبلاد”.
تاريخ عمره ملايين السنوات
ورغم أن عدد المواقع الأثرية كبير جدا، فإنها لا تحظى بنفس الأهمية والقيمة، كما يوضح الباحث الجزائري: “هناك أزيد من 200 موقع هام جدا، منها مواقع مصنفة كتراث إنساني لدى الأمم المتحدة، والعدد الإجمالي يجعل من الجزائر بلد استثنائي في عدد المواقع الأثرية”.
ووفق هذا الطرح فإن الجزائر تضم كل الحقب التاريخية للبشرية، وعلى سبيل المثال، فإن أقدم موقع أثري في الولايات المتحدة عمره 15 ألف سنة، ولكن تاريخ الجزائر يحسب بملايين السنوات، وحسب الخبراء لا يوجد الكثير من الدول عبر العالم لديها القدرة على حكاية تاريخ البشرية بهذا الشكل.
ويصف عالم الآثار الجزائري ومدير الديوان الوطني للحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي، كمال ستيتي، هذه الخريطة ببنك المعلومات الهام جدا.
وقال المدير الديوان الوطني للحظيرة الثقافية للأطلس الصحراوي لسكاي نيوز عربية: “الهدف الأساسي هو حماية الآثار من التمدن وحماية التراث الثقافي”.
وأوضح ستيتي، الذي كان ضمن فريق البحث الذي اشتغل على الخريطة، أن هذه الموقع لا تشكل إلا جزءا من العدد الإجمالي، وهناك مواقع أخرى لا تزال قيد الجرد والخريطة قابلة للزيادة.
وقد شاركت القائمون على الحظيرة الوطنية للأطلس الصحراوي في دعم الخريطة وذلك بجرد 150 موقعا تراثيا هاما توجد على طول حوض الخضنة شرقا إلى حدود المغرب، وهي المنطقة التي تضم أبرز المواقع الأثرية في الجزائر.
مواقع تحتاج للترميم
من جهته، يؤكد الكاتب والصحافي الجزائري مهدي براشد، المتخصص في تراث منطقة القصبة التي تعد واحدة من أهم المناطق الأثرية في الجزائر العاصمة، أن هذه الخريطة إضاءة للجغرافيا التراثية للبلاد.
لكنه في المقابل يسلط الضوء على نقاط أخرى يرى ضرورة الاهتمام بها بشكل سريع من أجل أن تكتمل عملية الجرد.
وقال براشد لـ”سكاي نيوز عربية”: “يجب أولا الحفاظ على هذه الآثار وصيانتها، لأنها خريطة تضم بعض الآثار المهددة بالاندثار”.
وأكد الكاتب الجزائري أن الأمر لا يخص حي القصبة بل ينطبق على كثير من الآثار، وطرح في هذا السياق عدة أسئلة، وقال: “ما مآل حي القصبة العتيق المصنف تراثا إنسانيا وهو يتداعى كل يوم”.
وأضاف: “إذا استمر الوضع على حاله، فبعد أقل من 50 سنة لن يبقى لحي القصبة أثر”.
ويضم حي القصبة مجموعة قصور مثل قصر الرياس وخداوج العمية ودار عزيز وقصر حسن باشا ودار السلطان، بالإضافة إلى عدد من المساجد.
ويرى براشد أن الاهتمام بهذا الحي يخضع للبهرجة السياسية والنظرة الفلكلورية للثقافة، وهو اهتمام لا يندرج ضمن منظور شامل يجعل الآثار جزءا من تصور عام للثقافة باعتبارها قطاعا محركا للسياحة والصناعة التقليدية وخلق الثروة.